في التعبير عن الرأي، البعض يقول: “حشر مع الناس عيد” والبعض يقول “نعم لا” وينتظر كيف تسير الرياح، وكيف تمضي المياه، ومتى ما مالت الكفة إلى هنا أو هناك، مال معها، واندلق كأنه الشلال، محترفاً السباب والشتات، ضد مَنْ كان لا معهم أو ضدهم، “الفنان المصري تامر حسني” الذي نال ما نال من لكم ولطم، هو مثال لهذا الصنف من البشر، الذين يسميهم المثل الشعبي: “قوم ترنا وين ما دار الهوى درنا”.. وذلك دليل على هشاشة عظام الفكرة، وركاكة مفردة الفكرة، وأنيميا في دماء المبادئ، ورعشة شديدة في القيم، وضعف الشخصية، ما يجعل الدوران حول النفس كما هو الدوران حول منضدة صغيرة، سهل وسريع ولا يستغرق وقتاً.. تامر حسني قال للمتظاهرين: إنه شتم المحتجين رغماً عنه، وأنه تم الضغط عليه ليقول ذلك، لكنه بعد فترة شعر بالندم، واجتاحه الألم، فعاد “ليبارك” خطوات من تظاهروا واحتجوا على الرئيس حسني مبارك.
تامر حسني مثال لظاهرة ثقافية وفكرية، تعم أرجاء الوطن العربي، فكثيرون ارتحلوا من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ومن اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى آمين، ومنها إلى مسارات مختلفة، وأطياف مرتبكة، وألوان، وأشكال ما أنزل الله بها من سلطان.. لا نعترض أنه من حق الإنسان أن يتغير، وأن يبحث ويشك ويفكر، فهذه طبيعة بشرية لا خلاف عليها، ولكن ما يثير الحفيظة هي هذه القناعات التي يبدلها أصحابها، كما يستبدلون ملابسهم الداخلية، ويتحولون من هنا إلى هناك بسرعة البرق، وبطرق متوحشة ومخيفة، ما يستدعي الحذر من هذا النفاق الاجتماعي، ويعرض علينا التوقف عند هذه الخيارات المتهورة، والتي تعبر عن التنشئة النفسية الخاطئة.
والتدريب الثقافي المرتبك، ينتج عنه هذه الازدواجية وفصام الشخصية المريع والمرعب.. فكيف تستقيم الأوطان، وأفرادها يعيشون حالة من التقلبات الجوية، والمطبات الهوائية، بل هم أشبه بالقشة التي تتقاذفها الريح، أو الزبد الذي لا يثبت، بل يذهب جفاء لمجرد بروز مصلحة ما، أو إحساد الأفراد ببزوغ نجم ما، قد يضيء سماءهم بدلاً من نجم آخر يرون فيه الزوال الأكيد.. بينما ضرب الفنان المصري الآخر، أحمد السقا مثالاً مختلفاً، حين أصرَّ على رأيه، وقال رفضت المظاهرات وأيَّدت مبارك ولن أغيِّر رأيي.
هذا الرأي قد نختلف معه، لكننا يجب أن نحترمه لأنه رأي واضح وغير مشوش، وعرف طريقه الصريح، قد يكون مخطئاً وقد يكون مصيباً، المهم في الأمر أن لعبة الضمير لا تصلح في معالجة القضايا المصيرية، ولا يحق لأحد أن ينكر لأحد حقه في التعبير عن رأيه، حتى وإن كان مناقضاً للرأي الآخر.



marafea@emi.ae