لقد تغيرت الدنيا ولم يعد بالإمكان حجب معلومة أو خبر عن القارئ، كما انه لم يعد بالإمكان التحكم في آلية تدفق المعلومات كما كان يحدث في السابق فالخبر الذي تحجبه الآن ينشر عند غيرك وبدون استئذان، ولا ينشر كخبر بل يتدحرج مثل كرة الثلج، ويحمل هذا الخبر معه عشرات المزاعم لا الحقائق خاصة وانه ينطلق من خارج الحدود·
والقاعدة الذهبية في الإعلام تقول ان الشائعة تسبق الخبر· ومع هذه القاعدة نقول عندما يتراجع دور الإعلام الأمني وريادته في الإخبار بكسر الألف الثانية وإعلام الجمهور في اللحظة التي يقع فيها الحدث نجد أنفسنا أمام أنهار متدفقة من الشائعات التي تتحرك في رحابها القصص المغلوطة، والتي تدخل في ثناياها معلومات مدسوسة، ويصبح في حالة كهذه خبر انفجار اسطوانة غاز في مطبخ تعيس يديره كوتي واخوانه قصة تتناقلها وكالات الأنباء العالمية وتدور حولها التأويلات والتفسيرات التي ينطلق معظمها من نظرية المؤامرة في التفسير والتحليل·
في ظل تراجع الإعلام الأمني وفي ظل حالة الحجب التي يتفنن فيها بعض الأمنيين في التضييق على الإعلام المحلي في نقل المعلومات والحقائق من منظور وطني ومهني، وضمن نطاق الشفافية الذي يكفل سد أبواب الشائعات، في ظل هذا كله لم يعد مجديا ممارسة سياسة الحجب أو التعتيم في نشر الجرائم وكشف تفاصيلها، ولعلنا نذكر عندما حدث انهيار في أحد الجدران الخرسانية لإحدى المنشآت وفي الوقت الذي شغل فيه بعض الأمنيين أنفسهم بإبعاد وسائل الإعلام المحلية كان الخبر مذاعا متلفزا من محطة فضائية مغمورة، وكنا نتناقل الخبر من الزملاء الفراشين الذين يتقنون لغة هذه المحطة!
في العصر الراهن يلعب الإعلام دوراً حيوياً في مكافحة الجريمة بل يقف الإعلام في مقدمة كتيبة الوقاية من الجريمة من خلال ما يعرضه من قصص خبرية ومعالجات صحفية حول الجرائم انطلاقا من قاعدة الجريمة لا تفيد ولا توجد جريمة كاملة، وقد كانت هناك مدارس أمنية عالمية تحذر من نشر الجرائم وتعلل ذلك التوسع في نشرها بأنه يرفع من معدلات ارتكاب هذه الجرائم ولكن معظم الدراسات العلمية الرصينة أكدت عكس ذلك وحضت على التوسع في نشر الجريمة ومتابعة حال المجرم وهو يعض اصابع الندم وراء القضبان يوم لا ينفع الندم·
في الوقت الذي تبذل فيه جهود أمنية كبيرة لمواصلة تطوير أجهزة الشرطة نريد أن تمتد هذه الجهود إلى تطوير آلية التعامل مع الإعلام بحيث تختفي هذه الصورة التي يصر البعض على حشر الإعلام فيها ووضعه في خانة الند ومن هناك يناصبه العداء، وكم من مواقف وجد فيها رجال الإعلام أنفسهم ضحايا هذه الندية المزعومة، بل ووجدوا الكاميرات والأفلام مبعثرة·
نؤكد على ان الشفافية، والشفافية وحدها هي الكفيلة بالانطلاق بالإعلام الأمني نحو آفاق واسعة تجعل مختلف فئات المجتمع من خلاله درعا واقيا في وجه الجريمة بكل ألوانها، وإذا لم يطل التغيير هذا القطاع الحيوي، وإذا لم تكن هناك آلية واعية للتعاطي مع المجتمع من خلاله فإننا سنظل نندب حظنا ونقول عليه العوض·