المعرفة بكل فصولها وأصولها وحقولها هي محيط للسباحة ضد الجهل والتخلف، وما من أمة تحترم العلم وتؤسس له إلا واستطاعت أن تتقدم الصفوف وأن تحقق ذاتها بعيداً عن التبعية وبعيداً عن تلقف ما ينتجه الآخرون.. والمعرفة هي الوعي بذاته، هي الفضاء الرحب الذي تهفو إليه الطيور لتحلق بحرية وفرحة برفرفة أجنحة الحلم.. المعرفة التي نحتاجها تقود اليوم حملتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، والتي تضع الكتاب على قمة الشجرة. وإنتاج مليون كتاب باللغة العربية موزعة على 620 عنواناً ما هو إلا احتفاء بالعقل وإيمان بقيمة الكلمة في صناعة الغد، وصياغة مشاعر الإنسان وتهذيبها وترتيبها وتخضيبها وتحصيبها، ووضع الثمرات في أحشائها.. مليار درهم من أجل المعرفة، مليار قبلة حب على جبين الإنسانية وسطر طويل من أجل كتابة التاريخ وإخراج الحضارة البشرية من حال الموت السريري إلى النهضة الحقيقية وإلى اليقظة المطلوبة لبناء عرش البشر على مساحة واسعة من الوعي وعند مرتفع المعرفة الحقيقية.. مليار درهم من أجل المعرفة سوف تعمل على كبح هذا السيل الهارب إلى الفضاء الخارجي وسوف تعيد الإنتاج الفكري إلى أهله وتمنحه حق الهوية وتحميه من الاغتراب والاستلاب. مليار درهم من أجل المعرفة بناء حقيقي للإنسان وإعادة التوازن له، وحمايته من وضع الازدراء والاكتواء إلى هوامش الحضارات ونفاياتها.. مليار درهم كفيلة بأن تعيد العقل إلى حالة الإنتاج وتأكيد الذات وإثبات الوجود.. العالم العربي بثرواته الطبيعية وإمكاناته البشرية قادر وبكل ثقة أن يستعيد ما هرب من التاريخ، وأن يقبض على اللحظة الحضارية المتوارية فيما لو تكررت التجارب، واحتذى الجميع بما تقدمه الإمارات من عون وصون للعقل الإنساني.. الوطن العربي قادر أن يحيي الأرض اليباب وأن يستعيد نضارتها وخضرتها المعرفية وأن يوقظ الزمن من جديد، وألا يكتفي بالبكاء على اللبن المسكوب، وأن يتوقف عند محطات الماضي الآفلة.. الوطن العربي يحتاج إلى مثل هذه الهبات النبيلة، ويحتاج إلى مثل هذه الوقفات الأصيلة ليتخلص من عواهل وشرر نفايات عصور ليدخل في باحات عصور جديدة تتناسب مع مقدراته الهائلة وتتلاءم مع إمكانات شعوبه المذهلة. الوطن العربي هذا قدره ولا غير في أن يقتدى بما تقدمه العقول النيّرة، وما تبذله الأيادي الخيّرة، وما تقوم به الإرادات الواعية في بلادنا.. الوطن العربي من حقه أن يحلم كما يحلم الآخرون، ولكن لا بد أن يسير على أرضية صلبة وواعية مدعومة بمعرفة فاعلة ومنتجة.