احتفل العالم في أكثر من مائة بلد بيوم البيئة العالمي، رافعاً شعار المدن الخضراء، حيث تقدر الأمم المتحدة أن 60 في المئة من أعداد سكان العالم سيعيشون في المدن بحلول عام 2030 لذلك يسعى العالم المتحضر إلى تحويل مدنه إلى أماكن صديقة للبيئة·
حينها·· تذكرت فارساً ترجل قبل أقل من عام، كانت المساحات الخضراء حلمه ودهشته، كانت الشجرة عنده كالإنسان يراعيه ويراهن عليه ويستثمر فيه، كانت الأرض قبله يباباً، وقلبها إلى أغصان خضراء، ريّانة، وقابلة لأسئلة المستقبل، لأشد ما كان يفرحه غصن أخضر تلعب الريح به أو نخلة تعالت على أبنية الأسمنت وقالت: أنا لست وحدي الآن·· هناك ملايين تعادل توازن الأرض وتفرح الإنسان الصادق، أو شجرة تفرد ظلها للعامل الشقيان وراء رزقه الحلال، لأشد ما كانت تلك الأشياء تفرحه ويزهو بها، كان يتفقدها ويسقيها بيده، ولا ينسى مكانها، يذكّره بها الصيف وتباشيره الحلوة أو الربيع حين يطل ببهجة خضرته أو مواسم الزرع وحصادها·
لقد غامر باتجاه الأرض وتربتها، ووظف خيراتها، ليجعل من الوطن حديقة يتغنى بها، وليرسم تلك الدهشة على وجه الغريب، حين كان ذاك لا يصدق أن الأرض هي الوعد وهي الأمل وهي ضحكة الإنسان الخالدة، وليجعل من إنسان هذا البلد يفخر بإنجازات أخرى غير المباني العوالي·
تذكرته بالأمس وبشدة·· حين كان العالم يحتفل بيوم البيئة والخضرة، وتذكرت تلك الوفود التي كانت تأتي إلى هنا·· ليتيقنوا أن الرهان كان حقيقة، وأن الحلم كان دائماً أخضر وأجمل، وأن الطيور مهما غادرت أعشاشها ووكناتها، فهي راجعة لدفء الشمس وظل الشجر وتلك المحميات التي تغري بالعودة والهجرة البعيدة والرجوع برزقها المكتوب على صفحة السماء، وأن غزلان البر لم تعد تخشى رصاصة من صياد أو ذئب أرهقه الجوع ولا تخشى العطش أو أن ينقطع بها الحال من حرقة الرمل وشح الماء وملح الأرض·
كان فارس المدن الخضراء·· دائماً متوجاً بمديح الظل العالي، وكان دائماً مجللاً بشهادات التقدير والتبجيل والتوقير، فمن مثله كان صديقاً وفياً للبيئة، ومحارباً جلداً ضد التصحر ويباس الأرض واصفرار نبتها؟ من مثله كان يرسل نظره لبعيد، وبعيد، وبعدها تعشب الأرض؟·
لفقيدنا·· زايد الخيرات·· الرحمة كلها، تتنزل عليه، بعدد كل الشجر والزرع والنخل في بلادي، ولتظل تلك اللبنة رطبة تحت رأسه الغالي، وسيظل هو يعنّ على الذاكرة، كلما رأينا شيئاً جميلاً يفرح الناس والمدن، وكلما أحنى العالم رأسه لفكرة إنسانية نبيلة، كانت قد راودت الرجل يوماً، وسعى لها وباتجاهها، ليجعل منها حقيقة تتمثل ويجعلنا نتفكر ونتدبر، ونغني لأمجاده وأعماله، ما بقي طير يتظلل، وجفن يرمش بالحياة وفرحتها الكبيرة··