المتلونون كثيرون ومنتشرون كما الفيروسات في كل مكان وفي كل زمان، على مستوى العلاقات الخاصة وعلى مستوى القضايا الكبيرة، ففي لحظة فقدان التوازن يتكئ المؤمنون على إيمانهم، يستعينون بنور البصيرة وبالحق ويمضون وسط اللجة بلا خوف وبلا تردد، حتى وإن بدا أنهم متجهون للمجهول، أما أولئك المتلونون فإنهم كالمنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، لا شيء يبقى لهم في نهاية الطريق، فيتحولون إلى اسم في قوائم سوداء، ممنوعة من السفر ومن ممارسة الحياة الطبيعية ، وذلك جزاء عادل تماما.
المتلونون لا يتمهلون، لا يتعقلون، لا يقرؤون جيدا، ذلك أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، لذلك فإنهم في كل موقف يحتاج للشجاعة والحق يفتحون حفلة ردح شرقية تبدأ بقاموس الشتائم ولا تنتهي بقاموس التخوين، فكل من ليس مع باطلهم خائن ومجرم وعديم الوفاء وقليل الأصل، وحدهم كما يتراءى لهم فقط، دون كل العالمين، أولاد الأصل وأهل الوفاء، لكنهم عبثا يحاولون إخفاء الحقيقة فوفاؤهم لمصالحهم لا أكثر ولا أقل، لكنهم تعودوا كتابة الجمل المنقوصة والعبارات المبتورة، هذه عادة جيوش التملق في كل الأزمنة على أية حال!
المتلونون، يكونون اليوم معك، كلامهم معك، كتاباتهم معك، مواقفهم معك، هكذا يظهرون في الجلسات وعلى الفضائيات وفي افتتاحيات الصحف وعلى منصات المؤتمرات والمنتديات، بقدر ما يدفع لهم يتحدثون وبقدر ما ينالون يجتهدون، لكنهم في الحقيقة ليسوا مع أحد بالمطلق، إنهم مع أنفسهم لا أكثر، ويوم يخسرون أنفسهم يصيرون مع الخواء بالتوازي وبالتساوي.
في التاريخ، لا أتذكر من وصفهم بأن قال “لا تأمنوهم فقلوبهم معكم وسيوفهم عليكم”.
قد لا يمتلكون سيوفا في هذا الزمان كسيوف ملوك الطوائف، لكنهم يمتلكون سيوفا من نوع آخر، سيوف هذا الزمان من ورق وأقلام وأفواه مدججة بالكلمات الكاذبة والأغنيات والقصائد، وما أجمل القلم والأغنية والقصيدة، حين يعرف صاحبها كيف يضبط بوصلتها على الاتجاه الصحيح، لكن حين يضبطها شمالا إذا الريح شمالا وجنوبا إذا ما الريح هبت من الجنوب، فإن البوصلة ستنفجر اختلالا في لحظة عجز عن مسايرة الاتجاهات والرياح.
في الأيام الماضية، كشفت الأحداث أهل البوصلات الخربة، والذين لا يعدون جيدا على أصابع اليدين، فيقولون ما لا يعرفون ويهرِفون بما لا قِبل لهم بتحمل نتائجه، ويميلون في كل الاتجاهات بحثاً عن مصالح وجدران يتكئون عليها بعد أن تهدأ العاصفة، يراهنون على جدار كان قائما في المدينة، فإذا انكشف الغطاء عن الوجوه وسقطت الجدر والركائز، اختبؤوا واندسوا في الخواء، يرتبون أوراقهم ليرتدوا أقنعة التزوير مجددا، متناسين أن الغباء لا يكرر نفسه مع الجميع بنفس النتائج في كل مرة.
المتلونون سبب كبير ورئيس وواضح من أسباب التخلف والعجز والقهر والتراجع العربي لألف سنة ضوئية للوراء ، فيا ليتنا ننجح في الخلاص منهم بقدر ما يثيرون الاستفزاز فينا في كل مرة يطالعوننا فيها بقناع جديد.


ayya-222@hotmail.com