كنا نعتقد في شبابنا الذي لم يذهب سدى أن بإمكاننا أن نحظى بصداقات مع نساء كثيرات من العالم خلال السفرات أو الدراسة في الخارج، من أجل الاحتكاك ومعرفة ثقافات الشعوب، وتحسين اللغة البائرة، وحدها اليابانية من بين كل النساء التي كنا نراها بعيدة المنال لحاجز اللغة الجداري، ولأنها بحجم علبة الكبريت، والأمور غير واضحة للعيان، ولأنها صعبة المراس نتيجة إرث اجتماعي ثقيل، وصرامة فرضها المجتمع الذكوري على المرأة اليابانية، والمحظورات التي تحوطها ككائن مغلق على ذاته، فالعيب يعد أهم “ثيمة” في حياة اليابانية، وعدم الثقة بالآخر، وخاصة الرجل نتيجة سنوات طويلة من الاضطهاد والتعسف بحقها، وبقائها كظل بعيد لشخصية الرجل السيد، فهي لا تغضبه، وتلتقيه عند الباب أثناء عودته للمنزل، وتهتم بملابسه وأكله وراحته، حتى أنها لا تشاركه الأكل خوف أن تغزر عينها في لقمة يشتهيها، وتمسد جسده ورجليه وتغسلهما بالماء والملح، وتعطرهما بزيوت الأزهار والأعشاب، وتعد له الشاي، وإذا ما شعرت ببعض العتب، تحتج فقط بوضع “صفّرية، لكن، مقفلة” أي آنية من أواني المطبخ عند عتبة الباب! الزائر لليابان وحتى الوقت القريب، يجد المرأة اليابانية تخضع لسيطرة وأمر الرجل الياباني المشهور بفحولة مبالغ فيها عند شعوب الشرق الأقصى، حيث سمعته كثيراً ما يشوبها العنف والاستعباد وممارسة العقد الذكورية، ويتصرف دون تهذيب تجاه المرأة، فهو غير بعيد عن شخصية «سي سيد» حتى غدا الأمر محرجاً بالنسبة لنساء ورجال الشعوب الأخرى الذين يتعاملون مع اليابانيين الذين يعتقدون أن الياباني واحتراماته المبالغ فيها والتي يظهرها تجاه الغريب، لا يرونها مع المرأة التي هي في الحقيقة كائن رقيق، ومهذب حتى التعب، وحساس يكتم مشاعره، وعليه الابتسام دائماً، فقد كانت طالبة يابانية تدرس معي في باريس دائمة الابتسام، ووجهها لا ينم عن تعبير محدد غير الفرح، يساعدها في ذلك براءة طفولية في وجهها، فكنا لا نعرف متى تزعل، ومتى تحرج، ومتى تريد المزاح، لدرجة جاءتنا مرة متأخرة على غير عادتها، فلما دخلت الفصل كانت تضحك، وتدمع، وتعتذر، فلما سألتها المدرسة قالت ببساطة إن شقتها تعرضت لحريق مساء الأمس. ومرة كان لي صديق فنان عراقي، والتقى بيابانية رسامة في حي الرسامين في “مونمارتر” بباريس، واستلطفها، وهي مالت إليه للأشياء الكثيرة المشتركة بينهما وخاصة الفن والبحث عن أمور جميلة في الحياة وألوانها، وظلا يلتقيان في ذلك المرسم الحر في الهواء الطلق يرسمان، وبعد أيام طلب منها موعداً شخصياً، فضربته له في الساعة السابعة والربع صباحاً، كان في الليل متشجعاً للموعد ووقته، ولم يقدر أن يخالفه، لكن في الصباح ومع ثقل الجفون، وسلطان النوم، ومزاجية الفنان، أخلف الموعد، بعدها لم ير اليابانية منذ ذلك اليوم! amood8@yahoo.com