ميزة التغيير في الأشياء أنه يدب عافية ودماء جديدة في الأطراف، والماء لولا الجريان لفسد وآسن، هكذا يتلقى المتفائلون دائماً العنوان الأول من ثورة الشباب الجديد في مصر، فكل الأشياء قابلة للتغيير والتبديل، وربما إلى نقيضها الحسن من نقيضها الأسوأ، فالإعلام سيتغير، ولغة الصحافة والتعاطي ستتغير، والفن ستبث فيه روح جديدة، وسيتبدل بطريقة مختلفة، المرافق السياحية وخدماتها ستتحسن، المرافق العامة بدءاً من المطار إلى النقل إلى المطعم ستتبدل إما بحالها وإما بتأثير ما يجري في المجتمع الجديد من تغييرات، نفسيات الأشخاص ستتغير نحو نظرة إلى فجر جديد، وإلى مصر شابة قادرة على القفز والركض الطويل، هي ثورة لا يمكن أن نختصرها بثورة سياسية، وإنما ثورة حين لا يرضى الإنسان عن النفس.
المشهد الإعلامي المصري هو أكثر هذه الوجوه في المجتمع التي سيظهر عليها التغيير، ولأن وجه الإعلام سافر، فبالتالي يستطيع الناس أن يقرأوا ملامحه الجديدة، وتأثير المتغيرات عليه، فالإعلام الذي كان سائداً في مصر في أوقات مختلفة، والذي لعب أدواراً مهمة في حياة المصري والمواطن العربي من محيطه إلى خليجه، وأعطى صفة الريادة لمصر، وهي تستحقها، هو نفسه بعدما تأخر، وغلبته الأمور، وأصبح مملوكاً لا ملكاً، مع فساد وترهل ومحسوبية، من قام بسحب البساط من تحت قدميها، وزاد في الأمر ظهور أفلاك إعلامية كانت يومها هامشية وعلى الجانب، قدرت أن تقدم الجديد والمختلف مستفيدة من العقول المهاجرة من مصر ولبنان وبعض البلدان العربية الأخرى، فالأهرام هزمت نفسها قبل أن تهزمها الصحف الأخرى، والأخبار أصبحت أخبارها باردة، والوكالة “الأولى” في الوطن أضحت فقيرة بتقريرها الرسمي فقط، والتلفزيون المصري ذهب عنه محبوه، فقط بقيت الإذاعة مخلصة لأصدقائها القدامى.
لذا كان مبرراً أن نرى هذه الوسائل تنحاز بجهل وتبعية وحزبية للتيار القديم، لأنها تتنفس من خلاله، ولأنها هرمت معه، وتريد أن تدفن معه، ونسيت الشعب، ونسيت قضية الوطن، ونسيت مبادىء وأخلاق المهنة، فكانت من المحرضين ضده، ومن المرجفين في حقه، وبعد نجاح الثورة الشعبية أصبحت من المداهنين له، وظهر من كان يضحك ويتضاحك وهو يبكي ندماً وأسفاً، ويقول حالفاً أنه في داخله مع الشعب، لكن ظاهره كان الخوف، لذا رأينا بين يومي الجمعة والسبت العناوين تغيرت والاتجاهات تبدلت والخطاب يقول: مات الملك، عاش الملك، وظهرت الصحف التاريخية بافتتاحيات اعتذار من الشعب، وبخجل من مصر، وبطأطأة للرأس من التاريخ، وظهر التلفزيون الذي كان يمنع شخصية عالمية لها ثقلها مثل زويل وهيكل من الظهور على شاشته، يبحث نادماً عن الممنوعين للتشرف بمقابلتهم، ويقبل بظهور المتظاهرين على شاشته ليمدحوا قناة معينة، وينعتوها بأنها كانت أكثر مصرية وأكثر وطنية! 


amood8@yahoo.com