الهارب من الوعي شيطان أجوف، كالساكت عن الحق، والوعي يتأتى من مصدرين: المعرفة والحاجة – حسب ظني – وفي عالمنا العربي نحن بأمس الحاجة للوعي، إذا كنا جادين فيما يتعلق بحديثنا الطنان واليومي عن التنمية والخلاص من التخلف، اليوم ينتقل النموذج التونسي المصري في التغيير ليعم أرجاء الوطن العربي بعد توقعات لم تقل سراً بل أعلنت جهراً وبالصوت العالي لتسمع أن حادثت حياً، فبدونا أمام العالم كمن يبشر بقيامته أو يعد أيامه الأخيره ما قبل الطوفان.
إذا أردنا في أوطاننا العربية أن ننعم بمجتمعات مستقرة فليس أمامنا بديل عن التحديث والإحياء وتنمية حس الرفض، رفض الفساد والخطأ باستمرار، وقراءة كتاب تاريخ النهضة الأوروبية يبدو متأخراً جداً هذه الأيام من أجل الاقتباس والإفادة لأن كتباً جديدة ظهرت وزاد الطلب على النموذجين الحديثين في التغيير: نموذج تونس ونموذج مصر، وهما نموذجان يحتاجان لقراءة عميقة في المقدمات والأسباب.
مع ذلك فلم تتعلم الأنظمة السياسية شيئاً من الزلزالين الأخيرين اللذين هزا العالم كله طالما ستلجأ مجدداً للعنف والقتل وإسالة الدماء، ولم يتعلم الشباب شيئاً من شباب تونس ومصر إذا كانوا سيبدؤون أبجدية الثورة بالعنف والصدام والتخريب، الأوطان ليست ملكاً للنظام أو الحزب إنها ملك الجميع ولذلك فإنه من المحرم المساس بمكتسباتها تحت أي ظرف ما عدا ذلك الظرف الذي يختار فيه الطرفان المواجهة حين تنقصهما شجاعة اختيار العقل والسلام كبديل أكثر تحضراً.
التغيير والثورة لا يحتاجان إلى مواعيد نحددها كمواعيد العشاق ومواعيد الاجتماعات الرسمية، فلابد أن نثور على الخطأ كل لحظة لأن الصمت على الفساد لا يقل خطورة عن الفساد نفسه، كثير من الناس في مجتمعاتنا العربية، يلجأون للغوغائية في سلوكياتهم في كثير من الأحيان ولا يعرفون تماماً ماهية حقوقهم ومطالبهم، هذه الغوغائية هي ما يشجع الأنظمة على الاستهانة بهم، والتمادي في التقليل من شأن هذه الشعوب وعدم الالتفات إلى مطالبها وحقوقها ، إنها شعوب تخاف في معظمها من المواجهة وتهرب من المطالبة ولا تنظم نفسها وتخطط لما تريد بوعي ووضوح ومعرفة.
أتساءل هل كان المصريون سيثورون لو لم تثر تونس ؟ ربما نعم، وهل كانت تونس ستنفجر في وجه بن علي لو لم يحرق البوعزيزي نفسه ؟! وهل كان البوعزيزي سيحرق نفسه لو لم توجّه له تلك اللطمة الجارحة ؟ ربما كانت الأحداث الكبرى كلها عبر التاريخ نتاج أسباب صغيرة، لأن كثيراً من محركات التاريخ بدت صغيرة لكن ما كان يتفاعل تحت السطح هو في الحقيقة ما كان يقود للانفجار، ومع ذلك فإن عالمنا العربي لايزال يؤمن بمقولة الشاعر امرؤ القيس: اليوم خمر وغداً أمر، فلايخطط ولا ينظم ولا يعرف على وجه الدقة ماذا يريد !!
لايزال كثيرون يراهنون على القائد الملهم والمنتظر الذي سيقود الناس للعدل وللمستقبل، نحتاج لأن نغير هذه الذهنية تماماً، نحتاج لأن نبادر لرفض الخطأ أياً كان حجمه ومكانه وأثره وتأثيره لأن مراكمته ستحتاج لعمل خارق للقضاء عليه، ستحتاج لزلزال لسحقه، وليس مقدر لعالمنا أن يشهد نجاح ثورات كثورة مصر وتونس في كل مرة، حتى وإن بدا أن البدايات والظروف تتطابق.


ayya-222@hotmail.com