لدينا صديق يكبرنا تعلم الإنجليزية التي يريدها فقط عن طريق السماع، فيلقطها محرفة، وحين يعاود استعمالها تظهر أقرب إلى كلام “كو، كام، هاو ماج”، ورغم ذلك كان لا يحب أحداً أن يغيرها له، وكان يحب لندن لشيئين: فلندن كما يقول: لا أحد يسألك”وين بايت، ووين مجبل أو وين ويوه الرجاب” والأمر الثاني كان يحب الملاعب الخضراء واللعب على بساطها المخملي، ويتغلب أحياناً على كثير من المحترفين الذين يتضايق من سيكارهم الكذّاب.
في البداية كان يحرجني وأمثالي من أصدقائه ممن لديهم بعض الخجل التربوي والتهذيب المدرسي، كأن يصحو من رقدة العصر - وعصر لندن طويل- جراء شهقة أو نخرة من نوم متقلب أفزعته أو أثر أحلام ما قبل المغرب الثقيلة، وما أن يصل إلى “لوبي” الفندق إلا وهو يشكو من صداع، وعيناه”ميفّنه” ويشعر بمرارة حقيقية في الحلق، وضيق لا يعرف من أين يأتي مع ارتجاع للعصارة الهضمية، فيجلس صامتاً، ثم يحك الشعرات المصبوغة منذ مدة، والتي نمت طويلاً بعض الشيء، حتى بانت جذورها البيضاء، ويسأل لما تأخر الحلاق اللبناني هو ومعازيبه هذا الصيف؟ لكنه ما أن يجلس ويعتدل مزاجه قليلاً ، حتى يسمع تلك المرتدية فستاناً أسود بلا ذراعين تعزف على البيانو، وتلقى ترحيباً مبالغاً فيه من قبل الإنجليز اليقظين، والمهندمين أنفسهم بدرجة عالية من الاحترام، ومن بعض السواح المهتمين بمتع الحياة، يتعكر مزاج صديقنا، ويصرخ طالباً”شاي بحليب” ويكون الفندق قد صرف الخدمة عن تقديم الشاي في ذاك الوقت بعد انتهاء فترة الشاي الإنجليزي مع الكيك بين الخامسة والسابعة مساء تماماً، فيخربط إيقاع النادل المسؤول عن خدمة ضيوف الفندق، وما أن يشرب قليلاً منه، حتى يتأفف:”قم ناصر.. قولها توقف حشرتها شوي” فنناظره محرجين، فيكمل:”الحين بتقول لي باخ وطاخ وصمباخ” فنحاول أن نهديه، ونخلق له مسائل لتصرفه عن عزف الإنجليزية غير المتقن كثيراً، لكنه يتذكر بعد دقائق، ويقول بإنزعاج واضح:”تراها صمختنا ربيعتكم، تفارقتوا أنتم وياها.. مسَوّين عماركم لندنيين”.
صديقنا يضحكنا حينما يتبرع شخصياً بالمحادثة، والذي يشك الإنجليزي حينها بمقدرته على السمع، والتركيز، ويفكر مباشرة بأتعاب الطبيب، فصديقنا يحول “كف مي إلى كث مي” فنتماسك ناصحين” “شور رأيك تزيد على كث مي يا بو هنري”، أما المصيبة حينما يلاقي أحد ويطالعه، فيرميه بـ”إكسكيوزمي.. هاور يو” أو حين يربك السائق الإنجليزي الذي يسمعه يقول كلمات كأنه يفهمها، “أخّر ريلك على الكلج، دقّ لهم هرن، يا ويلي على اللي ما يعشّق دبل” ينتهي المشوار، والسائق في حيرة، حتى يوصله الـ”راندي فو” الذي يسميه”راندي فيو” وفي ساعة زعله من لندن، يردد:”يا حافظ عليك يا أميركا والله هناك اللي ما بتسمع أنديد.. كله إيزي”!


amood8@yahoo.com