حينما أتلفت حولي، أرصد تفاصيل المكان الذي أسكنه، البيت، الشارع، الحي، شطر المدينة التي يقسمها البحر إلى قسمين متقابلين ومتباعدين جداً في الوقت نفسه، أتأكد أن هذه المدينة ترزح تحت أثقال من الحكايات والقصص والمرويات. كل منا في هذه المدينة – كما في كل مدن العالم - لديه حكايته الخاصة، التي قد تتقاطع مع حكايات أخرى كثيرة لو أتيحت الفرصة لقصها في وقت واحد، وربما تتعايش معها كما تتعايش قضبان محطات القطارات جنباً إلى جنب، ومحتفظة بالمسافة نفسها دائماً، حينما أطل على المسافة التي مشيتها طويلاً في هذه المدينة، ينتابني ذلك الهاجس الغريب: إلى أي درجة نعيش حياتنا في كل تجلياتها كما نتمنى فعلاً؟ دائماً لدينا ما نريد فعله وتحقيقه، لكن الوقت لا يتسع له، لدينا أسفار مؤجلة، طموحات مؤجلة، أنشطة مؤجلة، قراءات مؤجلة، أشخاص رائعون نود لقاءهم بقليل من السعي تجاههم، لكننا أيضاً نؤجل تلك اللقاءات، وفي المقابل نسأل مؤجلة إلى متى؟ في مذاهب ومعتقدات مختلفة، فإن الحياة تكرر نفسها، أعني عقيدة التقمص، التي تمنح الإنسان فرصة الحياة مرة أخرى في زمان آخر، وفي أجساد وظروف مغايرة، نحن لا ننتمي لهذا النوع من الاعتقادات، التي عبر عنها بطل رواية قرأتها بعنوان “سرمده”، حين قال: ما قيمة الحياة إذا لم تكرر نفسها أكثر من مرة؟ مع ذلك، فنحن نؤجل حياتنا ونعلم يقينا بأننا لن نعيش سوى حياة واحدة !! سأسر لكم أمراً: أحياناً كثيرة أقول لنفسي هل كان من الأفضل لي لو أنني سافرت ودرست في جامعة السوربون بمدينة باريس تماماً كما حلمت عندما كنت في المرحلة الثانوية، متأثرة برواية البؤساء لفيكتور هوجو؟ فماذا لو اقتفيت أثر تلك الأمنية يومها، هل كان شيئاً مما يحصل لي اليوم سيكون؟ هل كنت سأكتب مقالاً يومياً ربما يجده البعض مملاً وأراه أنا نهاية العالم؟ هل أعرف شيئاً عن نهاية هذا العالم أصلاً؟ لا أدري أين نهاية العالم، لكن أمي مصرة على أنها عند حواف سور الصين العظيم، بينما لا أزال أحلم بأن أرى ألمس سقف العالم وأنا أقف في التبت!! في أحيان كثيرة، أنظر إلى حكايات بعض الصغار، الذين يصرون بعناد، لا طاقة لأحد للوقوف في وجه أحلامهم التي يريدون، أتحدث هنا عن أحلام بحجم مسارات وخيارات حياتية: مثل الدراسة، السفر والهوايات، الأصدقاء وشريك الحياة، لطالما وصفنا أهلنا بالمطيعين والمهذبين جداً، لأننا كنا لا نعترض ولا نصارع أو نصر على أحلامنا وطلباتنا وعلى ما نريد عندما كنا صغاراً وحتى حين كبرنا! كأننا كنا مشغولين بتحقيق أمنيات الغير، أتساءل الآن: هل كنا نعي أحلامنا والحدود التي تتيحها لنا تلك الأحلام في تكوين عوالمنا وحياتنا كما نريدها؟ نحن ننسى أن الأحلام بحاجة ماسة إلى وعي وإلى حرية. حين أطل على كل المياه التي جرت تحت جسور المدينة وحياتي، أتمنى لو أنني تعلمت الطهي بحسب بعض الثقافات لأجول في تلك البلدان، وأجدت الكثير من اللغات فلدي ولع بالترجمات، وسافرت إلى كثير من المدن لأقابل العديد من الأشخاص الرائعين، ومارست التصوير أو الرسم مثلاً، ليست الانشغالات هي ما منعني من ذلك، ولكن يبدو أن السير في الطريق الخطأ واحد من أكثر خطايانا في الحياة. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com