لا نعرف تلك العبارة، إلا حينما نكبر، وحينما يوجعنا أننا لم نتم طريقنا لمدارسنا بانتظام، وحينما نرى أترابنا وقد أكملوا مشوار التعليم، بالصبر والتعب، ونتذكر تلك أكثر حين نعود إليها نجتر ذكريات الصبا، في صباح من تلك الصباحات التي لا توشي إلا بالخير، وبتلك النسمة الباردة، والغيم الخجول، أوصلت ابنتي لمدرستها، تتلقفها المدرسات الإنجليزيات، والمساعدات الفلبينيات، مع تحية الصباح:”كود مورنج أروى”!، وعنّت عليّ ساعتها مدرستي، تذكرت والدي حينما أوصلني إليها لأول مرة، المدرسة الأولى في العين مبان من طين، وشتاء كافر، ومدرسون مكفهرو الوجوه، وعصا تتدلى من أيديهم، وكلمة الصباح:”أمش ياولد لصفك، بلا غندره”، سلمني يومها للمدير، وقال له: “لا تسلّم منه إلا العظم والعين”! والمدرسة الثانية كانت في أبوظبي التي أشق طريقي إليها في هذا الصباح، جئتها في الصف الثالث، لكن أبي لم يوص المدير هذه المرة بعبارته:”مرخوص فيه”، لأنه كان ينتظر أن يطرّ شاربي الصغير مخضّراً بعد أعوام قليلة، وكان المدير إنجليزياً”الميجور مكادونالد”، وقد لا ترضيه عبارة أبي كثيراً، كانت في طرف معسكر آل نهيان، وكانت أسمنتية، مثل أي “بركس” للجنود، لم تكن فيها أشجار، ولا حديقة في الجوار، كانت الرطوبة تنزّ من أرضية الصفوف الخرسانية، وترسم خرائط من ماء وملح، والكراسي حديدية وخشبية، وكأنها صنعت لكيلا تسرق من مكانها، كان يتناوب على التعليم والتدريب، مدرسون مدنيون، ومدربون عسكريون، يبدأ صباحنا الباكر، بالرياضة أو التدريب العسكري، “بريت”، ثم نتناول أكواب البلاستيك الكبيرة لنملأها “شاي بالحليب” من “البندرة”، مع خبزتين من الـ”براتا مع البيض والجبن”، كانت البندرة والكانتين” الأولى أشبه بالمطعم، والثانية بالدكان، كانتا بعيدتين عن المدرسة في مكان يسمى “البادية” بالقرب من معسكرات الجنود، بعد الفطور، يكون الاصطفاف المدرسي مثل طابور الصباح، أتذكر صباحات من برد، وصباحات من ضرب، لأننا قصّينا شبك المعسكر، هاربين إلى السينما، المارية أو الفردوس أو الخضراء، خاصة إذا ما كان يعرض فيلم هندي جديد أو فيلم كاراتيه. بعدها بسنوات قليلة، أصبحت مدرسة الثقافة للأولاد، مدرسة أخرى، وتغير اسمها، دخلتها ألعاب رياضية مختلفة، ومدربون رياضيون، وموسيقى، ومسرح، ومكتبة، ورسم، حينها تعلقت بتلك الأشياء، وأصبحت المدرسة شيئاً من كل تلك الأشياء. لكن.. في هذا الصباح لا أجد مدرستي، وصعب هو الطريق إليها، وهي التي كانت مثل راحة كفي، أعرفها، تماماً مثلما غاب الأصدقاء في متاهات دروب الحياة، وما عدنا نلتقي! فقط.. وددت أن أتذكر هذا الصباح، وأتذكر بحب، ووددت أن أسلك طريق المدرسة!. amood8@yahoo.com