منذ المناظرة الشهيرة بين يوسف السركال وأحمد عيسى.. لم يتوقف الجدل.. حولي أو بيني وبين آخرين، أو حتى داخل نفسي.. حاولت كثيراً أن أنأى بنفسي عن الخوض فيها، باعتبارها مناقشة ومرت، لكن نفسي تأبى هذا المرور العابر على حدث غير عابر.. تعاطفت مع السركال تارة، ومع أحمد عيسى أخرى.. لكنني أبداً لم أتعاطف «معنا».. نعم «معنا».. فنحن غالباً من يزيد النار اشتعالاً، ولا أعنى بـ «معنا» الإعلام، لكنني أقصد كل الواقفين على نواصي الخلافات.. كل الذين يتحدثون من مدينتهم الفاضلة، رغم أنه لا توجد مدينة فاضلة. السركال أخطأ، وأحمد عيسى أخطأ.. كلاهما خرج بالحوار عن سياقه الطبيعي، لكننا أصررنا على أن يظل السياق غير طبيعي.. غالينا فيما رفضناه من الاثنين.. ونال السركال الكثير من الأخذ والرد، والحق والإنصاف يقتضي أن نقول إن الرجل لا يستحق كل هذا النكران، كما أن أحمد عيسى يستحق كل الاحترام. لم نعد حمائم سلام، بقدر ما أصبحنا صقوراً.. ننسى صفحات الماضي القريب وننهش في جسد الكلمات والإسقاطات.. نزيد النار اشتعالاً ونحن ندعي زيفاً أننا رسل سلام ومحبة.. نأخذ من «الصالح العام» مطية لرغباتنا المكبوتة، التي لم تكن سوى بحاجة إلى فرصة كي تطفو على السطح. نطلق الكلمات ونحن لا ندرك معانيها الحقيقية.. سواء من طرفي القضية أو من غيرهما، فلا «السفسطة» هي ما شاهدناه وما نسمعه، ولا للإعلام ملة ندعو إليها «الخلائق» ونترصد الخارجين عنها، ولا النقد هو النقد، ولا القرارات كما يجب، ولا الوساطات تفترض حسن النية في الطرفين، وبالتالي تاه الطريق، فأصبح من السهل أن نتوه نحن أيضاً.. أصبح من السهل ألا تعرف من يسانده الحق، ومن يتذرع بالباطل. تابعت مناظرة السركال مع أحمد عيسى، وكان حالي كغيري.. أجلس في دهشة لم تعترني منذ زمن طويل.. أريد أن أصدق ما أسمعه، وأن الكلام الذي قيل من قامتين نعول عليهما في دفع مسيرة اللعبة، لكنني رغم ذلك، قلت لا بأس أن نفتح النوافذ.. لا بأس أن نفتح الصدور، لا مانع أن ندوس على الجرح فذلك أول الشفاء، لكن ما تلا المناظرة كان أقسى منها، إذ من المفترض أن الكثيرين من أدلوا بدلوهم أن يتدخلوا لتهدئة الأمور.. لكننا راغبون في أن تبقى الساحة مشتعلة. كلنا لسنا ملائكة، وليس بإمكان أحد أن يدعي أنه منزه عن الخطأ، والتقصير الإداري أياً كان، يبقى اجتهاداً يستحق أن ننتقده لكنه لا يستحق أن نجرح صاحبه، وحين نتصدى للنقد علينا أن نفطن إلى فخ عدم الوقوع في «الشخصنة»، وإن جاز ذلك من طرفي المناظرة، فهو غريب على «المشاهدين» الذين بدا بعضهم وكأنه سعيد أن الأمور آلت لما آلت إليه. في زمن مضى، كانت برامجنا تبدو أقرب إلى السيناريوهات المكررة، وكانت المؤتمرات نسخاً كربونية من بعضها، والتعليقات تعرفها قبل أن تصدر، وتوالت الأيام، وجئنا إلى زمن الشفافية والمصارحة، فكان ما شاهدنا وما سمعنا، حتى تمنيت لو عاد الزمن للوراء.. إلى تلك الأفلام الكلاسيكية التي شاهدناها مئات المرات، فالكثير من اختلافنا هذه الأيام أشبه بالأغاني التي لا طائل منها سوى الضجيج. كلمة أخيرة: إذا فرحت بسقوطي.. تأكد أنك من أهم أسبابه محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae