تنتهي اليوم امتحانات الثانوية العامة، وينضم طلبة الثانوية العامة إلى أقرانهم في المولات والمراكز التجارية، ومن لا يجد راحته في هذه المولات فلا يجد أمامه سوى الشوارع والسكيك، والتسكع على قارعة الطريق حتى الساعات الأولى للصباح·
وفي كل عام يتكرر هذا السيناريو، ولا نعرف إلى متى يوجد صبية ومراهقون وشباب يسهرون حتى الصباح خارج بيوتهم، ولا نعرف كيف يطمئن أب، أو يهجع قلب أم تدخل فراشها ليلاً وتترك فلذات أكبادها في المجهول وسط رفقة لا تعرف هل هم رفقة خير أم رفقة سوء وشر؟·
ومن يتابع حال هؤلاء الصبية والشباب من طلبة المدارس ينفطر قلبه علي الوقت الذي يقتلونه، وعلى ثقافة تضييع الوقت وإهداره التي غرسناها فيهم منذ الصغر فالجميع يتفانى في تضييع الوقت، ويعجب المرء من الصبية الذين نيتمون إلى ثقافات غير ثقافتنا عندما يراهم في القطار أو الحافلة أو في انتظار إنجاز معاملة أو حتى على شاطئ البحر نراهم يقرأون ومن النادر أن تجد أحدهم بلا كتاب أو قصة، فقد تعود هؤلاء منذ الصغر أن الوقت كالسيف وأن الحياة نحياها مرة واحدة·
الثقافة هناك تعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم أن الوقت كالمال تايم أز مونى كما يقولون، فالطالب يدرك قيمة الوقت ويدرك خطورة إهداره، في حين أن البعض عندنا يدرب هؤلاء الصبية على الشردة من المدرسة ومن بعدها الشردة من الدوام، ويصبح الوقت في حياتنا عبئاً ثقيلاً، ومنذ سنوات كنت في اليابان وفوجئت بمظاهرة كبيرة تغلق مداخل أحد الميادين وحاول سائق التاكسي جاهداً أن يجد مخرجاً ولكن دون فائدة فقد فرضت المظاهرة نفسها على الجميع وتصورت أن المظاهرة بسبب الأكل أو الشرب أو قضية ما ولكنني فوجئت بأن المظاهرة الكبيرة التي أغلقت الميدان الرئيسي كانت احتجاجاً من العمال على إجبارهم من جانب إدارات المصانع على زيادة الإجازات التي يحصلون عليها·
وهناك كانت القضية على مصراعيها وحازت على اهتمام كبير من الأكاديميين ورجال الصناعة وعلماء النفس والاجتماع فقد تبين أن نسبة كبيرة من العمال والموظفين لا يحصلون على الاجازات المقررة لهم، ويفضلون العمل على الإجازة، بل إن بعضهم لم يأخذ إجازة منذ سنوات·
وعندنا نجد الأمر مختلفاً فالربع لا تكفيهم مدة شهرين من الاجازة السنوية ويتصور الانسان لهفة هؤلاء على الخروج في اجازة أنهم كانوا يعملون في المناجم تحت الأرض أو أن بعضهم أفنى عمره في أبحادث الذرة·
وللأسف الشديد نجد بعض الموظفين لا تكفيهم اجازة تمتد إلى ثلاثة شهور، ولا أعرف ماذا يفعل موظف في هذه المدة التي يرقد خلالها في اجازته في البيت، وعندما تسأله تجد الاجابة التقليدية: يا ريال خلك تفتك من الدوام شوية·
وفي تصوري المتواضع فإن حياتنا كلها اجازة إذ لم نقدم شيئاً حتى اليوم للبشرية ولم نتوصل حتى الآن إلى مفهوم يكفل استثمار الوقت والتعامل معه باعتباره من ذهب، ومن لا يصدق ذلك فليسأل نفسه، وعليه العوض·