محللون يبيعون الوهم.. محللون لا تملك إلا أن تغلق زر الصوت، محللون منفعلون دون أدنى سبب، هم إفرازات للحرب الإعلامية بين الفضائيات وقنواتها المتعددة، والتي تنقل أي حدث مباشرة، سواء كانت تظاهرات مستمرة أو مباريات مصيرية، لقد تكاثروا وتناسلوا وتناسخوا حتى لا نعرف أن نفرق بين أحدهم والآخر، يبدو على وجوههم التعب والسهر وعلى محياهم أثر الجلوس الطويل على الكراسي، ووهج الإضاءة، والفرح بما وعدوهم به من أوراق خضراء وملونة. محلل سياسي، محلل استراتيجي، محلل جيو- بولتيك، محلل اقتصادي، محلل عسكري، محلل إعلامي، محلل رياضي، محلل شرعي، محلل على القياس ووفق التفصيل، محلل دائم جاهز، محلل ثوبه في شنطته، محلل تخصص قنوات فضائية فقط، والدفع بالدولار أو باليورو فقط، محلل أرضي بالعملة المحلية الكحيانة، وقابلة للتقسيط، محلل أبوشنطة للبرامج المعادة والقنوات المضروبة، يقبل الشيكات ولو لم تكن مصدقة، سيتصرف هو لوحده، فهو يعرف كيف يأخذ حقه، والقناة غير مسؤولة عن ذلك، المحلل أبوداس، والذي كثيراً ما تخطئ القنوات التي تستضيفه، وتطلق عليه أبو رأس، الأمر الذي يضطره قبل كل مقابلة أن يوضح للمشاهدين الكرام وللنظار الأفاضل، عن الفرق بين أبوداس وأبورأس، المحلل أبوطرفشانه الذي يحل ويطير بين القنوات مثل الفراشة• محللون.. نحس أنهم أحياناً في غير محلهم، ولا مع تحليلاتهم، وأن الظروف جعلتهم في طريقنا، ومقررين على يومنا، هم أشبه بالرياضي الذي كان يتقن لعب كرة القدم، ويجيد التسديدات بالقدم اليسرى، لكنه في الاستديو الرياضي الذي يحل عليه اليوم ضيفاً غير مرغوب فيه بعد اعتزاله الطويل، ولا يجيد استعمال رأسه بطريقة صحيحة كقدمه، فتصبح تحليلاته عبئاً على مجرى المباراة، وعبئاً على المشاهدين الذين لا يريدون كلاماً كثيراً وطويلاً، حتى المراسلين أصبحوا محللين، فعرفنا المراسل المحلل أبوخوذة وأبوكمامة وأبوقناع وأبوشيطميط، هؤلاء لا يتوانون عن استعمال المصطلحات نفسها، معظمهم يتبنون وجهة نظر المحطة التي تستضيفهم، وفي الغالب هم مؤيدون للفكرة، لا ضدها، لكن أحدهم إن غيّر المحطة، وغيّر المكان، ورأى الريح أين ستهبّ، هبّ من مكانه، وتنكر لآرائه السابقة، واستحضر في تلك الساعة المصطلحات الزلقة والملساء والتي لا تستطيع أن تمسكه بها أو تدينه عليها، وقد لا تستغربون أن تجدوا أحداً ممن تعرفونهم في مهن مختلفة، وقد باعدت السنوات الأخيرة بينكم، وهو على شاشة أحد التليفزيونات يتحدث من بلد غربي، معرفاً عن نفسه أنه محلل عسكري، وخبير استراتيجي في المنطقة، فتصابوا بالدهشة، وتكادوا أن تجزموا أنه فلان الذي عمل في محل الأجبان والمخللات، وليس له في التحليلات والاستراتيجيات، وأنه لم يعرف من التحليلات في حياته، إلا ما يخص المسالك البولية، وانسداد المثانة! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com