اللهجة العامية عندنا تغيرت، شأن الأشياء الكثيرة التي تغيرت في حياتنا، نتيجة لعوامل طارئة ومستحدثة، ونتيجة للتأثيرات الداخلية في المجتمع المحلي، وأخرى وافدة دخيلة أتى بها الداخلون والخارجون، لكن معظم هذه التغييرات كانت في المجمل سلبية، بحيث سحبت العامية لتكون لهجة متقاربة يحاول أن يفهمها الجميع ممن يعيشون في مجتمعنا، وقد ساهم الجيل الجديد المتعلم، والإعلام وفسيفساء البشر الساكن معنا في تحريك العامية نحو اللغة الثالثة المتعارف عليها، والتي تنحو بين العربية الفصيحة الساكنة، والدارجة المحلية المتحركة، في حين ظل الكبار وحدهم المحافظون على المحلية القديمة الفصيحة، وبعض شعراء النبط ممن يعرفون من أين يغترفون·
اليوم يتملكني الفضول في سماع الجيل الصغير، كيف ينطق العامية، وإلى أين يمكن أن يذهب بها؟! في النتيجة هي لهجة مختلفة، مهجّنة، متعددة الجذور، قاصدة الغربة والتغريب، وقد لا يبقى من قديمها إلا ما تحتفظ به الذاكرة الجمعية، وما تكنه صدور الغيورين عليها، إلى هنا ويمكن أن نتحمل المسألة، لكن أن يسعى الجيل الجديد إلى تشويهها بقصد أو بجهل، فهو الأمر الذي علينا أن نتصدى له، سواء في وسائلنا الإعلامية التي لا نعول عليها كثيراً في هذا الجانب، أو بحفظ وتدوين القديم، وابتكار قواميس وطنية خاصة، ولا بأس من تدريسها وتعليمها وترسيخها في عقول النشء، خاصة فصيحها ومصطلحاتها وأمثالها التي جرت على ألسنة ناسها الأولين، لأنها تمثل في الأول والآخر هوية هذا المجتمع، وخندقه الأخير في المحافظة على الشخصية المحلية، مثلها مثل اللبس، والأكل، والمسميات، والتسميات، ومتاع الحياة التي تميزنا عن الآخرين، وتعطينا الخصوصية وصيغة التفرد عن الآخر·
إن ما نسمعه اليوم من ورود مصطلحات وتعابير مبتكرة ومكسّرة على ألسنة الجيل الطالع، تحتم علينا أن نتبصر فيها، وإلا ما معنى أنا قاعد ساير دبي كيف تركب قاعد وساير؟! أو حين تسمع طلع اليوم يقلد الجيل القديم فينعق إذا تبيني يالغالي أييك·· باييك، بس لا تنسى غاليك وأشياء كثيرة غيرها، مرة يجمعون الشامي بالمغربي، ومرة يطعّمونها بكلمات أجنبية، ومرة يكسّرونها كلغة نادل تايلاندي، ومرة أخرى يطلقون بعض التعابير الموسمية والمناسباتية، كلغة سرية، وذات شفرة خاصة فيما بينهم، ولا تعرف من أين يأتون بكل هذا؟! وحين يحب أحدهم أن يتفلسف بعامية مغرقة، وهي في غير محلها، تجده يستعمل ألفاظ أمه النسائية، أو مصطلحات خالته التي لا تمت للغة الرجال أو تجد الصبي يرمس وكأنه يحيّي مع البنات أو يدرّف وياهن ولو سألت واحداً من الجيل الجديد، ما معنى يجلب الضبّة لدار رأسه وسقط عاجزاً ولو نشقته السويداء ·
إن العبث بالعامية، جرس نعلقه، لا هي دعوة شعوبية، ولا صرخة إقليمية، هي مسألة خصوصية مجتمع، وهوية، فمن يقرع الجرس؟!