عندما تبنت الدولة نظام المتحدث الرسمي، واستحدثت دوائر” الاتصال الحكومي”، وانخرط عشرات الكوادر في ورش ودورات متخصصة، كان الهدف الموضوع، تحقيق وصول المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب للجمهور. ولكن يبدو أن البعض فهم أن الدور المطلوب منه، هو حجب المعلومات إلا التي تحمل الطابع الترويجي والدعائي لجهة عمله، وهناك جهات حكومية اختصرت المسألة بإسناد المهمة لشركة علاقات عامة، ومثل هذه الشركات ينصب كل اهتمامها على تمديد عقد عملها أكثر مما يعنيها وصول المعلومات والقصص الإخبارية المهمة لهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك.
أصحاب عقليات الحجب والانتقاء في نشر الأخبار في دوائر “الاتصال الحكومي”، لم يستوعبوا بعد أننا في زمن غير الزمن الذي لا يزالون يقيمون بداخله. فاليوم أبسط جهاز هاتف نقال ينشر على الفضاء المفتوح الخبر، قبل أن تتلقفه الفضائيات ويصل إلى الصحف. أسوق هذه المقدمة، ونحن نشهد ما يريد هؤلاء أن يصبغوا به الإعلام المحلي ووسائله، بأن يكون صدى لما يريدون. ومن خلال متابعاتي أجد في العديد من تلك الجهات بعض هؤلاء “المتحدثين” ممن يعتقدون أن دورهم “عدم التحدث” إلا ما يريدون قوله.
أمس الأول تابع الناس بألم كبير خبر وفاة مواطن من مدينة كلباء عقب ثلاثة أشهر كان خلالها في غيبوبة دخلها إثر مضاعفات عملية جراحية بسيطة للجيوب الأنفية. وكان الخبر متداولاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع تفاصيل دقيقة، ومع هذا رفض المعنيون في وزارة الصحة الحديث، رغم أنهم كانوا قبل الواقعة بيوم واحد يمطرون وسائل الإعلام بأخبار “إنجازاتهم”.
والشيء ذاته، حيث تجد المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن إخفاق المقاول الرئيسي في تسليم مشروع شارع السلام في موعده المحدد، مما ترتب عليه عدم قدرة الجهات المعنية تحديد تاريخ الافتتاح الكامل له. ومع هذا ترفض “العلاقات العامة” في بلدية أبوظبي الحديث عن الموضوع، وتكتفي بأخبار” البرس رليز” عن افتتاح مسرب هنا أو هناك، والمعلومات المكررة. وبعد أن كان بعض مديري الإدارات في هذه الجهات يدلون بتصريحات ويقدمون معلومات لوسائل الأعلام، حال” المتحدث الرسمي” من دون تواصلهم مع الإعلاميين الذين لا طالوا “بلح “ المتحدثين السابقين، ولا “عنب” الناطق الرسمي!!.
إن استمرار التعامل بهذا المنطق مع الصحفيين ووسائل الإعلام، ستكون له إفرازاته السلبية على الأداء والمشهد الإعلامي برمته. وستكون له تأثيراته على الممارسة الاحترافية التي تحترم المعايير المهنية ويحرص عليها الإعلامي الملتزم بقواعد المهنة. كما ستفرز بيئة خصبة للشائعات وتناقلها عبر أجهزة” البلاك بيري” ومواقع التواصل. وهنا نسجل تقديرنا لتجربة “الإعلام الأمني” بالقيادة العامة لشرطة أبوظبي التي قدمت لنا أحدث درس في سرعة التواصل مع الجمهور ووسائل الإعلام خلال عملية” كمين بني ياس” رغم تأخر الوقت. وتصوروا حجم الشائعات والأكاذيب التي كانت ستنسج لو أنهم حجبوا المعلومات عن الناس لبعض الوقت. ولم نكن لنستبعد أن يكون خبراً عاجلاً على فضائيات” الملاقيف” تتحدث عن تبادل لإطلاق نار في مواجهات!!. وعلى هذه الدوائر إدراك أن الوصول للمعلومة والاطلاع عليها يعدان من أبسط حقوق الناس.


ali.alamodi@admedia.ae