يستعمل الناس ألفاظاً في غير موضعها الصحيح من دون مراعاة الفروق بينها، إذ إن ثمة فروقاً واضحة أو خفية بين قسم كبير من المفردات التي يظن بأنها مترادفة، فهي تختلف في درجاتها أو أنواعها أو غير ذلك، «فنظر»، مثلاً، تختلف عن «رنا» و»لحظ» و»لمح» وغيرها. كما أن قسماً من المترادفات هي صفات لمسمياتها، فللسيف أسماء كثيرة منها: الفيصل، الهندواني… ومن جراء ذلك تقاربت معاني ألفاظ كثيرة في اللغة العربية وتشابهت دلالاتها، وقد كانت الفروق بين تلك الكلمات واضحة لدى العرب السابقين، وللأسف بمرور الوقت وكثرة الاستعمال وضعف السليقة والاختلاط بالأعاجم ذابت تلك الفروق بين الكلمات المتقاربة وصار الناس يستعملونها بمعنى واحد. وقد يكون الجاحظ (ت 255هـ) أول من نبَّه إلى اللحن الذي شاب الألسن في مقدمة كتابه «البيان والتبيين» فقد ذكر أن الناس يضعون ألفاظاً في غير موضعها الصحيح من دون مراعاة الفروق بينها، يقول: «وقد يستخف الناس ألفاظاً ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها، ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلا في موضع العقاب أو في موضع الفقر المدقع، والعجز الظاهر، والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حالة القدرة والسلامة، وكذلك ذكر المطر؛ لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وبين الغيث». ‏ وألف ابن قتيبة (ت 276هـ) كتاب «أدب الكاتب» بسبب الاستعمال الخاطئ للألفاظ فيقول في مقدمته: «ولقد جرى في هذا المجلس كلام كثير في ذكر عيوب الرقيق فما رأيت أحداً منهم يعرف الفرق بين الوَكَع والكَوَع، والحَنَف من الفَدَع، واللَّمى من اللَّطع. فلما رأيت هذا الشأن كل يوم إلى نقصان وخشيت أن يذهب رسمه ويعفو أثره جعلت له حظاً من عنايتي وجزءاً من تأليفي. فجعل الباب الأول من كتابه: «باب معرفة ما يضعه الناس غير موضعه» وفيه يفرِّق بين جملة من الألفاظ يستعملها الناس بمعنى واحد، مثل الظل والفيء يقول: «يذهب الناس إلى أنهما شيء واحد وليس كذلك لأن الظل يكون غداة وعشية ومن أول النهار إلى آخره… وكذلك يفرِّق بين الآل والسراب، والبخيل واللئيم والفقير والمسكين، والخائن والسارق، والأعجمي والعجمي، والأعرابي والعربي. عدنان النحوي: مالـي خَلَعْـتُ ثيابي وانْطَلَقْـتُ إِلى.. سِـــواي أســألهُ الأثــوابَ و الحُـلَلا قَــدْ كانَ لــي حُلَلٌ أزْهـو بِبْهجَتهــا عِزّاً وَيزْهـو بِهـــا مَنْ حَـــلَّ وارْتحَــلا يـا ويحهـمْ بـدَّلــوا عيّـاً بِفصحِهـــمُ وبالبيـانِ الغنــيِّ اســتبـدلـوا الزَّلَـلا إن اللّســـانَ غــذاءُ الفكــرِ يحْملُــهُ عِلْمــــاً وفنّـاً صـواباً كانَ أو خَطَــلا إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae