النظرة الاستهلاكية والسرعة في اقتناص الفرص السانحة وغير السانحة جعلا من حالة الطلاق العاطفي مع الثوابت أمراً أسهل من انسياب الماء من بين الأصابع، وأيسر من تحرك الرمال الصحراوية في يوم عاصف. والزواج والطلاق صارا أشبه بشراء أي سلعة استهلاكية رخيصة وبسيطة، بحيث تعافها النفس لأي ظرف من الظروف، وبصورة مجانية لا تحمِّل أصحابها أي أعباء أخلاقية أو نفسية.. الرقم الذي أفصح عنه رئيس قسم التوجيه والإصلاح في محاكم رأس الخيمة وهو 11% نسبة الطلاق بسبب القروض، يظهر مدى فداحة الخلل الاجتماعي والفجوة الأخلاقية التي برزت كظاهرة اجتماعية إثر التغير السلبي للعلاقات الإنسانية بين الزوج والزوجة وما نتج عنه من جفاف عاطفي وانعطاف أخلاقي نحو هاوية تسعيرة هذه العلاقة بما يملكه الزوج من مادة، وما يختزنه في جيبه من دراهم يمكن أن تحرك مشاعر الزوجة سواء بالاتجاه السلبي أو الإيجابي.. بطبيعة الحال نحن تطوّرنا وتغيّرنا وذهبنا بعيداً في مستويات المعيشة، ما جعل الأخلاق الزوجية مرهونة بالمادة، وأصبحت الحالة الاجتماعية تئن من الخلافات والانشقاقات والمشاجرات التي كثيراً ما تصل إلى ردهات المحاكم، والتي بدورها قد تفصل أو لا تفصل؛ لأن التعنّت أصبح بحجم التوّرم الثقافي وما أصابه من وهن وعهن وشجن لا يستطيع كائن من كان أن يحل فيه أو يربط، طالما بقيت الأخلاق الإنسانية في حال الشراكة المرتبطة بالربح والخسارة.. فالسفينة الاجتماعية مضت بسرعة فائقة باتجاه المجهول، وقضت على كثير من مشاعر الألفة والمحبة والسلامة والسلم الاجتماعي.. السفينة شقّت عباباً عميقة حتى غرقت في الأعماق، ولم يعد بإمكان الإنسان مهما امتلك من قوى الضبط الاجتماعي أن يوقف تهورها وتضورها وانهيارها واندمارها وانتحارها.. السفينة تغوص في بحار من الجشع، والطمع، والهلع، وأحياناً كثيرة «الدلع».. والزوج الذي فكر في استجداء أشواق الزوجة مادياً وأنهك كاهله بالقروض لم يعد الآن قادراً على إيقاف حالة الولع الدائم من قبل الزوجة في تقصي ما تفرزه الأسواق من أحدث صرعات الموضة، وما تحكيه الجارات والصديقات عن فتنة الملابس الجاهزة وما يعرض من مدهشات مواد الاستهلاك اليومي.. فالزوجة التي كانت تعد ثوبها بخيوط أناملها وتجهز ما تحتاجه من شؤون الدنيا بنفسها غابت واندثرت، وأصبحت شيئاً من الماضي الذي تسخر منه الزوجة الحديثة ذات الأظافر المقلمة والعيون العدسية الخضراء والزرقاء، والمساحيق الأشبه بقوس قزح.. ماضٍ تولى وصدأ وحلت مكانه حداثة صادمة، وهادمة، ومعدمة، لكل ما هو منتج ومفيد.. القروض البنكية لن تنتهي، والطلاق لن يطلق حياتنا الاجتماعية، إذا لم نستطع أن نطلق الزيف، والحيف، والإسفاف، وما علق بثوب علاقتنا الاجتماعية من طفيليات الزمن المباغت.. لن نتحرك من صهد اللهاث إذا لم نفكر جيداً في أن الزواج علاقة إنسانية الغرض، منها تأسيس مجتمع يقوم على الحب أولاً والسلام النفسي والوئام العقلي، والانسجام مع الواقع دون تكلف أو تزلف.. نحن بحاجة إلى إيقاف القطار قليلاً لنعرف كم قطعنا من مسافة ما بين الماضي والحاضر.