في أحد المراكز التجارية الكبيرة في العاصمة، استوقفت مواطنة صبيا لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، وهي تلفت نظره إلى غرابة شكله وما يرتدي من ملابس مع أقرانه الذين كانوا يجوبون المركز، وهي تقول له إنها لا تليق بأبناء البلاد، ممن يعول عليهم في المستقبل. كانت تحدثه بلطف، وهي تطلب منه الإصغاء اليها كأمه، فباغتها برد عن انشغال والديه عنه، وبالذات أمه التي لم يستوقفها منظره الغريب كما استوقف هذه المرأة الغريبة عنه. مشهد قد يتكرر في صور متباينة، وهي تحمل في طياتها غيرة أكثر، يستتبعها ألم أكبر على مآل أغرار، يقودهم انشغال الاهل الى ارتكاب أفعال، قد يريدون منها لفت الانظار، ولكنها تقود في أحايين كثيرة الى ظواهر لا تمت الى هذا المجتمع والقيم التي يقوم عليها، والمستمدة من الدين الحنيف وعاداته وتقاليده العربية الاصيلة. صور تتفاقم في الصيف بكثرة، وتتخذ مظاهر صارخة بسبب الفراغ الذي يخيم في أعقاب نهاية العام الدراسي، رغم المبادرات العديدة التي تعلن عنها الكثير من الجهات لشغل أوقات الطلاب خلال العطلة الطويلة للمدارس. اذ لا توجد جهة إلا وتعلن عن وجود نشاط او انشطة متعددة لاستقطاب الطلاب، حتى ابناء تلك الفئة التي يطلق عليها غير حاملي الوثائق الثبوتية، قامت المناطق التعليمية باستقبالهم، حرصا منها على أن يستفيدوا من البرامج المقدمة خلال هذه الفترة الصيفية، التي ترفع معها إدارات الشرطة درجة استعداداتها لمواجهة ظواهر معينة تزداد خلال هذه الفترة. نعود الى موضوع انشغال اولياء الامور، وما استتبعه من تسليم الكثير منهم تربية الابناء في اخطر المراحل العمرية للخدم والسائقين، ولمسنا ما آل اليه البعض بعد ذلك، بظهور العديد من التصرفات والممارسات الغريبة والدخيلة على مجتمع الامارات، منذ أن أدخل هذا البعض هؤلاء الى داره وبين أهله، وبالاخص من جنسية معينة من جنوب شرق آسيا. الغائب الاكبر عن الجهد الكبير الذي تتسابق فيه مختلف الجهات لاستقطاب النشء والشباب والمراهقين خلال هذه الفترة، هو الاندية الرياضية التي تغلق ابوابها، وتشد الرحال الى معسكراتها الخارجية، وكأنما علاقتها بالمجتمع الذي تنتمي اليه علاقة موسمية مرتبطة بالموسم الكروي فقط. والكل يعلم مقدار تعلق الشباب والمراهقين بالاندية، وهو مدخل يفترض بها التركيز عليه للوصول اليهم، وحمايتهم من السلوكيات والممارسات الخاطئة التي تتربص بهم. كما ان هذه الجهات الكبيرة والجهد الكبير الذي تقوم به، ينبغي ان تواكبه وقفة مراجعة، حول اسباب عزوف فئات وشرائح مستهدفة في برامجها، عزوفها عن الالتحاق بتلك البرامج. الامر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهد والعمل لاستقطابها في سبيل تضييق فرص اتساع دائرة الفراغ من حولهم. الكل اليوم بات على قناعة بأن العصر قد اختلف في مظاهره وإيقاعه، ولكن ذلك لا يعني غض الطرف عن تفاقم وتزايد مظاهر لن تقود سوى الى اتساع شريحة من الشباب مطموسي الهوية والانتماء، ونحن نشدد ليل نهار على تعزيز مظاهرها في مجتمع الامارات، الذي يتعرض لتحولات وتغيرات متسارعة، تهدد رياحه العاتية باقتلاع أي مظهر قد يبقى من مظاهر هويتنا الوطنية.