كثيراً ما يردد الناس مقولات شائعة، وعبارات عامة محفوظة ومنقولة من دون أن يفكروا فيها، ويستعملونها كمفردات أو “كليشهات” جاهزة، ولا تحتاج إلى بحث أو تقصٍ أو تقليب أو إعادة صياغة، مثل “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” أو “إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب” أو” العفو عند المقدرة”، وغيرها من العبارات والجمل الصحيحة المفيدة، في وقتها، وليست في زمننا، لكن عبارة”الرجل المناسب في المكان المناسب” أخذت بعداً كبيراً في حياتنا، خاصة في المجتمع العربي الذي ظل يعاني وما زال يعاني عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، ولعل معظم مشكلاتنا وإخفاقاتنا وعدم تقدمنا بطريقة مدروسة ترجع إلى عدم جود الشخص المناسب في المكان المناسب، وما جاء الربيع العربي وتصحيحاته الثورية إلا لكي يغير الشخص غير المناسب من مكانه غير المناسب، وأن كل الانقلابات الثورجية، ووصف البيان رقم واحد من على ظهر دبابة أو من خلال ميكرفون الإذاعة الوطنية، ما هو إلا لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والذي سرعان ما سيتغير ويصبح شخصاً غير مناسب لشعبه في مكان غير مناسب لوطن يحلم به الجميع حراً ومتقدماً، لكن بعد كل هذه الإخفاقات التنموية، والفشل الثوري المريع، ومحاولة قلب الملكيات إلى جمهوريات، وإعادة الجمهوريات لمملكات توريثية، ظل عندنا الرجل المناسب في المكان غير المناسب، جلبنا متخرجين في أميركا، وأعطيناهم الخيط والمخيط، وقلنا سيصلحون الحال، ويغيرون في الأحوال، لكن بعد التجربة وهدر الأموال، رجعنا نتساءل، ونبحث عن رجل مناسب لا يسرف ولا يصرف ولا يعين خبراء ومستشارين أجانب، ويخلص، جلبنا وطنيين، وذوي توجه ديمقراطي، وخط ثوري تنموي، وبعد التجربة، وجدنا قطاعاً عاماً، وعقلية قطيع، وغاب الإنتاج، وتحولت المؤسسات إلى قطاع شؤون ورعاية اجتماعية، جلبنا رجالاً مناسبين من الخارج، لكنهم لم ينفعوا الداخل، ووظفنا رجالاً من الداخل، لكنهم لم يبيضوا الوجه، وسرقوا الوطن، فلم يختلف بالتالي رجال الخارج عن رجال الداخل، وكلهم لم يكونوا في المكان المناسب، حاولنا أن نضع سلة من المسؤوليات أو حزمة من الصلاحيات في يد طفل من أطفال المعجزة، فتعددت المسؤوليات وتاهت الصلاحيات، وتوزع الرجل المناسب في أماكن غير مناسبة، خصخصنا، وأظهرت الخصخصة أن كثيراً من الرجال غير مناسبين، وليست لهم أماكن مناسبة، عملنا شركات مساهمة، وسمّينا رجالاً مناسبين في أماكن رئيس مجلس إدارة، وعضو منتدب، وبالإضافة إلى عمله، وشغل حقيبتين، فتفرق دم الشخص المناسب في أماكن غير مناسبة، الآن.. وبعد هذه التجارب الكثيرة، وغير المفيدة، أقترح أن نكمل الجملة الشهيرة “الرجل المناسب في المكان المناسب”، ونضيف لها جملة جديدة تكمل النقص، وتصلح الحال، وتغير المآل: “الشخص المناسب في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب”!


amood8@yahoo.com