الإمام الخميني حرك الشارع الإيراني، وبدوره حرّك الثورة عام 1979 بواسطة شرائط «الكاسيت» التي كانت تأتي وتهرب، وتسرب إليه من الخارج، من المنفى الاختياري في ضواحي باريس! اليوم في أحداث إيران الأخيرة، وخروج الشعب للشارع ليس داعماً لشعارات الجمهورية، ولا تهجماً على الشيطان الأكبر، كما كان يحدث في السابق، وإنما تظاهرات احتجاجية، ومواجهات بين الشباب مع حراس، وقوى الجيش والشرطة للجمهورية الإسلامية، نجح الشباب في تمرير رسائلهم وأخبارهم، وصور عن الأحداث عبر تقنية جديدة لم يعرفها الآباء في الثورة السبعينية، استغلوا مطية إلكترونية في موقع «تويتر» و«جوجل» والـ«فيس بوك» وهي قفزة تقنية في ظل منع المراسلين الدوليين، وقفل محطات البث الفضائي الأجنبي، وتعتيم إعلامي إيراني، وقطع سبل الاتصال بالعالم الخارجي! نتيجة الانتخابات كما أعلنت هي فوز أحمدي نجاد بـ«62.63 في المائة» وموسوي حل ثانياً بنسبة «33.75 في المائة» أي بفارق 11 مليون صوت، وهو رقم استثقله مرشد الجمهورية، واستصعب تزويره في مثل انتخابات إيران ذات الخصوصية! كانت نسبة المشاركين في الانتخابات الإيرانية الأخيرة 85 في المائة، لكن في بعض الدوائر سجلت نسبة المشاركة 140 في المائة، في نظام انتخابي لا يشترط على المشارك أن يتقيد بدائرته الانتخابية! الغرب لم يتحرك في الأحداث الإيرانية الأخيرة بعزيمة، لأنه ربما كان مدركاً من سير الانتخابات شبه الطبيعية، رغم أن مصلحته كانت في التغيير كيفما جاء! دعاة التغيير في إيران، وعمادها الشباب، حاولوا أن يخلقوا حدثاً من أجل التبديل، واستغلال الفرصة التي ربما كانت مواتية، ولن تسمح لهم ثانية إلا بعد سنوات، ربما كانت طويلة ومديدة! يبدو أن التظاهرات الشعبية، والخروج إلى الشارع، كانت بمثابة أعمال موجهة للتغيير، وليس للاحتجاج على سير الانتخابات! هناك صراع عمائم في إيران، بين تقليديين ينظرون للماضي والحاضر، وليبراليين ينظرون للراهن والمستقبل! انحاز مفتي الجمهورية آية الله خامنئي، بعد تردد إلى أحمدي نجاد والسلطة القائمة، لأنه شعر بتهديد لمسألة ولاية الفقية، إحدى وأهم ركائز الحكم في إيران، وأن يحني العمامة «سياسياً» لبعض من ذوي العمائم «المشاغبة» و»البراغماتية» كناطق نوري، ورفسنجاني، بتعهده بعدم المساس بمصالحهم أو نبش دفاترهم! لطالما كانت خطبة الجمعة في إيران، بمثابة بيان للأمة، سواء للتأثير أو التحذير! يقال إن «انتحارياً» فجّر نفسه في مرقد الأمام الخميني «قدس الله سره»، وإن كان هذا الأمر صحيحاً، ولا يراد به تشويه وجه المعارضة، فيعد أول انتهاك أو احتجاج علني مدوّ في ضريح يعده جل الإيرانيين تربة مقدسة! إلى متى تتحمل قشرة السطح الحراك الاجتماعي التحتي، والغليان تحت الأنفاق السرية، وتلك الرياح التي تجلبها الجهات الأربع والسماء المفتوحة، التغيير قادم تلك مشيئة الإنسان وإرادته، قد يتأخر قليلاً، قد يطول كثيراً، لكنها سنة الحياة، وضريبة الحضارة!