كثيرة هي المرات التي عاد فيها “طارق” من المدرسة شاكياً أو باكياً، لأن أحد زملائه قد ضربه، أو أخذ منه شيئاً من أدواته المدرسية بالقوة، لكنه خلال ذلك اليوم كان صامتاً وتحاشى كثيراً أن تلتقي عيناه بعيني والديه خشية سؤاله عما به، ورغم فداحة ما تعرض له في المدرسة، إلا أنه لم يجرؤ على الحديث أو الشكوى، مفضلاً الصمت، لقد انكسر عنفوان الصبي ذي الأحد عشر عاما ذاك النهار، وسيبقى هذا الكسر ملازماً وعميقا في نظرته لذاته طيلة العمر!
لم يتحدث طارق لأحد عما حصل، انطوى على نفسه، وبدأ يتعلم أشياء كثيرة يداري بها ما حدث، وتدريجياً انغمس في التدخين، ورفقة أصدقاء السوء، ومع أن والدته سيدة متعلمة ووالده كذلك، إلا أن حواراً ما لم يدر حول ما حدث لطارق، ولم يعرف هو إلى أين يذهب، فكر في شقيقته وفي معلم اللغة العربية، لكنه تردد كثيراً ثم صمت، فماذا سيفيد الحديث الآن، والأهم من يضمن ألا يعاقبه والده عقاباً صارماً، معتبراً أنه هو المخطئ الأول؟ إذن فالصمت هو القرار الأكثر حكمة هكذا أنهى طارق صراعه مع نفسه، وأكمل حياته دافناً سر تلك الحادثة في أعماقه مع كثير من الخوف والشعور بالذنب!
إن الاعتداءات الجنسية، التي يتعرض لها بعض الأطفال في المدارس والبيوت أحيانا حقيقة واقعة ليس فيها أي نوع من المبالغة، وما حدث لطارق من قبل مجموعة من زملائه الأكبر سناً في دورة المياه في ذلك النهار، قد يحدث لعدد من الأطفال من قبل زملاء المدرسة أو أفراد من المحيط قد يكون السائق، أو صاحب البقالة، أو حتى المربية، ولا فرق هنا بين الصبي والفتاة، فكلاهما عرضة لهذا العنف المدمر الذي بدأ يطفو على سطح المجتمع كعاهة اجتماعية ترتبت على هذا الحراك السريع الذي تعيشه معظم مجتمعاتنا الخليجية، ما قاد إلى تآكل منظومة القيم في المجتمع، وانعدام العلاقات المفتوحة والحوار البناء داخل الأسر، وتدني مستوى الأخلاق وارتفاع منسوب التشوهات النفسية وعدوى الأخلاقيات الفاسدة•
إن المسؤولية الاجتماعية متمددة وموزعة على جهات عديدة، فالمشرع عليه دور، والمؤسسة الأمنية عليها دور، والأجهزة الإعلامية ومؤسسات الرعاية والتوعية الأسرية ، جميعنا نتحمل دوراً ما بشكل أو بآخر في التنبيه لخطورة المسألة، وطرق حماية الطفل ووقايته من هذا الخطر الداهم والمتربص به، نحتاج فقط كمسؤولين عن تربية هذا الطفل أن نراقبه جيداً، وأن نحافظ عليه بأمانة، وأن نعلمه كيف يحمي نفسه، وكيف يقاوم ويدافع عنها إذا ما تعرض لأي مضايقة أو تصرفات غير بريئة من أي أحد!
إن تعليم الطفل كيف يحمي نفسه، وكيف يحترم خصوصية جسده ضد اللمس أو المس أو العبث هو أول الوقاية، ذلك يجب أن يحدث منذ ما قبل دخوله عالم المدرسة، وبحسب الدراسات والتجارب، فإن الطفل في الخامسة وحتى قبل ذلك يفهم تماماً ويعي ما تلقنه إياه والدته في هذا الإطار حول جسده وخصوصيته، ووسائل دفاعه عن نفسه•
أما قبل ذلك، فإن التوعية يجب أن تتوافر للام والمعلمين وبشكل مبرمج ومقنن على أيدي مختصين، إذن نحن بحاجة إلى برامج توعية وتدريب ودعم ممنهجة ومعلنة رسمياً، حيث يكون في متناول الطفل أو الأم الاتصال برقم معين قبل أن تتحول المضايقة إلى اعتداء، ومن ثم يصبح الإبلاغ عنها صعباً في ظل مجتمعات ترزح تحت إرث هائل من ثقافة العيب والفضيحة ما يجعل الأهل أحيانا يتكتمون على ما يتعرض له ابنهم وهنا تكون الكارثة أكبر!


ayya-222@hotmail.com