الكثيرون وقعوا في شراك النصابين، والكثيرون أطاحت بهم معتقداتهم الخرافية تحت رحى من يعرفون من أين تؤكل الكتف، والكثيرون اشتكوا من أن أشخاصاً يتصلون بهم من أماكن خارج الدولة، ويحذرونهم من أن الجن قد سكن في داخلهم وأنه لا شفاء ولا دواء إلا بدفع مبالغ مالية معينة حتى يتمكن هؤلاء المشعوذون من طرد الجن وإعادة العافية لمن يدفع.. من حيلة واحتيال، والحيالون كثر، والنصابون أكثر، والذين يقعون فريسة هذه الخرافات لا يعدون ولا يحصون، والذين سكنت في نفوسهم الهشاشة يتكاثرون بتكاثر المروجين للخرافة، فرغم التطور التقني وانفتاح العالم على آخره على مستجدات العلم، واختراعاته وإبداعاته إلا أن بعض البشر ما زالوا يخيمون عند مضارب الجهل، وما زالوا يروون نوقهم من سراب، وخراب، واحتطاب في صحراء قاحلة.. الأمر الذي يشجع كل من في نفسه غرض، وكل من يريد الثراء السريع والمريح، وكل من يريد أن يتسلق على أكتاف الآخرين، على أن يتفشى داء وبال، وأن تمضي حقب نحو الاستغلال واستلاب حريات الناس، وحلب ما في جيوبهم دون رأفة أو وازع من ضمير.. في هذه القضية، فإن الجاني والمجني عليه سيان، وكلاهما مشارك في فعل الجريمة، والواجب يستدعي مكافحة الطرفين، مكافحة المجني عليهم بنشر الوعي والحساب والعقاب إذا ما سخروا أنفسهم مطايا للمخرفين ومزيفي الحقائق.. ومكافحة الجناة بتضييق الخناق عليهم ومتابعتهم وملاحقتهم وإيقاع أقسى العقوبات عليهم.. فانتشار مثل هذه الظواهر في المجتمع، نذير سوء، وبشرى خراب، وضياع، وانهيار اجتماعي وأخلاقي وعقدي. فلو فكّر السذّج والواقعون في أفخاخ الخرافة للحظة واحدة، فكيف يستطيع هذا الخارق، المارق، المنافق أن يعيد صحة لمريض، وأن يحول الجن إلى كائن مجسّد يطرده بقوته الفائقة؟ ولو كان بمقدوره أن يفعل ذلك لاستطاع أن يغني نفسه ويصبح أغنى من بيل جيتس دون الاتصال بشخص قد لا يملك إلا قوت نفسه وعياله.. ولكن للأسف أن بعض العقول لا تزال تهيم في صحارى الخرافة ولا تزال تحارب العلم بكل ما تملك من قوة لتترسب على حالها وتبقى هكذا ضحية أوهام، وخيالات مريضة، ومشاعر هشة، لا تستدعي غير الوهم للتخلص من عللها وآفاقها.. وكثيرون لا يكتفون بالاتصالات الهاتفية، بل يسافرون ويقطعون الأميال إلى أفريقيا وشرق آسيا للقاء من يسمون أنفسهم أصحاب الطاقات الفائقة من أجل العلاج، أو من أجل الثراء، أو ما زاد عن ذلك من أفعال الشعوذة والسحر الأسود.. كثيرون يفعلون ذلك لعقد نقص، ولفشل في الحياة، ولعجز عن التواصل مع العالم بصورة عقلية سليمة، ولإحساس بأن هناك قوى خفية قادرة على إنقاذهم وتحقيق ما لا يستطيعون تحقيقه على أرض الواقع.. هذه أفكار وخيالات تدور في أذهان الكثيرين، مما يوفر تربة خصبة لكل من يريد أن يعبث، ويستغل الحاجة، ومن يريد أن ينصب نفسه عرافاً عالماً ببواطن الأمور.. وما الجاهل إلا عدو نفسه.. والآخرين