كثير من العادات التي دخلت على حياة أطفالنا حديثاً، أصبحت قيماً راسخة لا يستطيع هؤلاء الصغار التخلص منها أو التخلي عنها· نلاحظ ما يفعله الصغار أثناء النوم، فقد أصبحوا رهائن أجهزة التكييف، ولم تعد المسألة متعلقة بالطقس، فالصيف كالخريف، والربيع كالشتاء، الأمر سيان بالنسبة لهم، فلا يغط الواحد منهم في النوم إلا وجهاز التكييف ينفث هواءه البارد وأزيزه المدوي، وإذا ما فكر أحد الوالدين في إغلاق هذا الجهاز قفز أصحاب الأجسام الصغيرة مفزوعين مذعورين منزعجين من التصرف الذي يجدونه مقلقاً لراحتهم·· ويصبح الآباء في حيرة أمام هذا السلوك المخالف لطبيعة الطقس، وهم يسمعون هدير السعال الصادر من الصدور الصغيرة، فيشعرون بالقلق لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً حيال رغبة الصغار في الاستمرار تحت صقيع التكييف، ولكن ما يثير القلق أكثر، المستشفيات التي تعج بالمرضى من الصغار الذين تورمت لوزهم واحمرت عيونهم، والتهبت أنوفهم من شديد الفيروسات التي استوطنت أجسادهم الصغيرة، متحدية كل العلاجات والأدوية لأن أداة نجاحها متوفرة في المشروبات المثلجة إلى جانب أجهزة التكييف التي تأبى أن تكف عن أزيزها ليلاً ونهاراً· عادات سيئة، وقيم رديئة، وساعة بيولوجية رتبت دورتها حسب الظرف والحالة الإنسانية والاجتماعية، فلا أحد يستطيع أن يردع هذا الطغيان لأن هذه العادات أصبحت جزءاً مهماً وضرورياً من حياة أولئك الصغار ، والكبار صاروا أسرى إرادات غيرهم من الصغار، فبالنسبة لولي الأمر، إذا صرخ الصغير أو حتى تقلب في فراشه متذمراً، انقلب الكون على رأسه فانهار وانصاع وهرع طيّعاً ينفذ الأمر السامي، الصادر من صغير لا يفهم إلا الاستجابة السريعة تتبعها قُبلة على الجبين مشفوعة بابتسامة ضارعة خاشعة· عادات سيئة، ولكن كل ولي أمر يقول لا حول ولا قوة، لأن الطفل العصامي شديد العود قوي المراس لم يعد اليوم موجوداً، فالأشياء الجاهزة ربّت ضمير الطفل على أن كل شيء لابد أن يكون مُعداً وسلساً، لا تعيقه عقبة ولا تتعبه مشقة·· فالأب الذي غادر الحرث والغوص واستراح على أريكة الاسترخاء نقل العدوى إلى فلذة الكبد، وأشاع فكرة ''دعهم يعيشون حياتهم، والدنيا تغيرت ولابد أن نتغير''·· أجل تغيرت، ولكن إلى أين، وكيف؟