ارتبطت الحديقة على مر العصور والأزمان بحياة الإنسان، حيث سكنت وتسكن في المنطقة الأكثر رحابة وألفة من حياته؛ لذا تواجدت في القصور وفي البيوت العادية، في المناطق السكنية، في المؤسسات، في بيوت الحكم وبيوت الحكمة، وشكلت حضوراً شفافاً؛ فيها اجتمعت الأسر، دار النقاش حول الخاص والعام؛ فيها توج الحب ومد سحره ليزيد الورد نضارة والعشب خفة، فيها سار العجوزان داخل شريط الذكريات الفاتن، جلس القارئ على الكرسي ليغوص في بحر الكلام، وجلس الكاتب ليتنفس الهواء النقي ويسقي الخيال بماء الرحابة المفتوح على مشهد الوردة والغصن وهو يرقص مع الهواء وموسيقى الأشجار؛ نام فيها المتشرد من التعب واتخذها ملاذاً آمناً من شدة الوحشة. هي الحديقة إذن، ستبقى المتنفس القديم والجديد للإنسان منذ الأزمان البعيدة وحتى اليوم الذي أكتسى بغبار الأجهزة الإلكترونية، وأدخلته إلى العالم الافتراضي الذي بقدر ما جلب من قوة التواصل، جلب الكسل، وجرد الكلام، واختزل المعاني في أشياء عابرة، لا تقدم للروح سوى مزيد من الغربة والاغتراب. لذا في هذا المتغير الخطير الذي بدأ يجر الإنسان إلى التحول جزء من تلك الأسلاك والشرائح والأرقام، بات علينا أن نعيد النظر في الحديقة وان نلتفت إلى ضرورتها في حياة الإنسان؛ وهنا أشير إلى التجربة المهمة التي ستطلقها أبوظبي قريبا، والمتمثلة في إعادة افتتاح «حديقة المشرف المركزية» التي كما يبدو انتبهت للمتغير الذي بدأ يغزو حياتنا، حيث ستقدم شكلا جديدا لمعنى الحديقة، متحدية الواقع الافتراضي وعالمه الرقمي؛ فحديقة المشرف شرعت لتكون حديقة تنفتح على الثقافي بمعناه الحياتي، حيث سيكون فيها المسرح والكتاب والموسيقى والترفيه العائلي والاستجمام جنباً إلى جنب في مساحة خضراء بمعنى جديد. فيما نقدم كل التحية والأمنيات بنجاح «حديقة المشرف»، فإننا بالتأكيد نتطلع إلى مشاريع مشابهة تشمل كل دولة الإمارات؛ كل حي من أحيائها، سواء في المدن أو الصحراء أو الجبال. أن يكون للحديقة حضور فاعل ومؤثر في حياة كل الفئات العمرية في المجتمع الإماراتي، حدائق تقدم الجمال، تقدم الفن بكل أشكاله عبر شراكة حقيقية بين كل المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية، حيث بالفن والجمال ترتقي الأمم وتسمو.