مهما كان سبب منع إدارة الرقابة عندنا، عرض فيلم «نوح»، وحذو الرقابة في قطر والبحرين نفس الخطوة، ومنتظر أن تتبع مصر والكويت الخطوة ذاتها، فإن الأمر بالتأكيد يتعلق بتلك الجملة «الرقابية»، «لأنه يتعارض مع تعاليم الدين» بتجسيد الأنبياء والرسل، وكان الأزهر الشريف قد سبق المنع، وهو أمر كثيراً ما يقدم عليه الأزهر مع أي عرض سينمائي يتناول القص الديني أو رموز تخص الأنبياء، غير أن الرقابة في بعض الدول لا تأخذ بتلك التوصية الأزهرية دائماً، كما حدث في فيلم «آلام المسيح» وغيرها من الأفلام، أما فيلم نوح فإن البيان الأزهري أكد على «رفضه لعرض أي أعمال تجسد أنبياء الله ورسله وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤكداً أن هذه الأعمال تتنافى مع مقامات الأنبياء والرسل، وتمس الجانب العقدي وثوابت الشريعة»، وأيدته وزارة الأوقاف، لكن في المقابل ظهرت أصوات دينية، تناشد بعرضه، وإعادة النظر في جملة الأزهر المعروفة تلك، والتي لا أدري - شخصياً- لماذا أحياناً تكون مطاطة، وتتسع للتأويل، وإعادة النظر؟ حينما سمحوا بظهور عمر بن الخطاب لأول مرة، مجسداً في مسلسل رمضاني، وحين سكتوا عن أفلام تتناول بعض الأنبياء، مثل قصة موسى، وأفلام كثيرة عن عيسى، ويوسف، وكاد أن يحصل خلاف مع فيلم الرسالة بنسختيه العربية والإنجليزية، وحقيقة الأمر لا نعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود في عدم تناول الشخصيات الإسلامية، فهل بلال يختلف عن حمزة، عن عمر بن عبد العزيز، عن خالد بن الوليد عن صلاح الدين، عن الحسن والحسين؟ وهل نوح يختلف عن موسى وعيسى والنبي محمد، حتى آدم وحواء ظهرا في السينما مراراً، وكذلك إبراهيم عليه السلام، هل قرار المنع يعود لمن يتولى الأزهر؟ أم هو يخضع لتعاليم، ونصوص دينية ملزمة؟ فيلم نوح، والفلك الذي صنع، والذي أنتجته شركة «بارامونت» بهوليوود بميزانية 125 مليون دولار، والمنتظر عرضه في أميركا بعد ستة أيام، قد عدلت في مونتاج الفيلم أكثر من مرة، لترضي جهات لها صبغتها الدينية، كالكنيسة، والجماعات المتدينة في الأديان السماوية الثلاث، وقام ببطولته الممثل «راسل كرو»، والفنان القدير «أنطوني هوبكنز»، وأخرجه المخرج، «دارين ارونوفسكي»، مخرج فيلم «البجعة السوداء»، والذي يعد نفسه من العلمانيين، يقول عن فيلمه إنه «آخر ما يمكن أن يكون فيلماً من الكتاب المقدس، لأنه لا يهتم بالتقويمات، وأفلامه خارج التصنيفات»، أما مؤلف كتاب «نوح البدائي»، «براين غودوا»، فأتهم المخرج بتحويل قصة نوح في الكتاب المقدس إلى قصة «عن الوثنية البيئية، متلاعباً بقصة المسيحيين واليهود المقدسة عن نوح، مختبراً تسامحهم»، ذلك أن الفيلم «لا يحكي قصة الرب الذي دمّر الأرض، لأن الناس يدمرونها، ولكن قصة الرب الذي يدمّر الأرض بسبب آثام الناس»! amood8@yahoo.com