هل تنفع كل سيرة ذاتية ''لإعداد'' رواية؟ أكتب كلمة ''إعداد'' متجنبا عبارة تأليف· فهناك مسافة شاسعة بين الفعلين الكتابيين، خصوصا فيما يخص العمل الروائي· قرأت في الآونة الأخيرة رواية كانت من ضمن روايات أخرى جرى ترشيحها لنيل جائزة عربية مرموقة· وإن كانت لم تنل حظ الفوز، لكنها حققت مجد الترشيح، وما يعنيه من شهرة ورواج، للرواية وصاحبها، الذي كتب محطات حياته بما يشبه الهذيان· والأعمال الروائية التي تنبثق من، أو تتكئ على، سيرة ذاتية، كانت وما تزال من أكثر الأعمال شهرة وتأثيرا في الآداب العالمية والعربية على السواء، وهي من أكثر الأعمال صعوبة على ما يذهب إليه الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة· فقد قال نعيمة في ''سبعون'': ''إن حكاية ساعة واحدة من ساعات العمر أمر صعب، فكيف يمكن حكاية سبعين سنة؟''· ونعرف أن كثيرين من الأدباء العرب رووا فصولا من سيرهم في كتاباتهم، ومنهم العقاد وطه حسين وأحمد أمين والمازني والزيات· ونعرف من المحدثين المغربي محمد شكري الذي كان أول من تجرأ على الاعتراف العاري في ''الخبز الحافي''، وكذلك فإن ''موسم الهجرة إلى الشمال'' نقلت تفاصيل من غربة السوداني الطيب صالح· أما نجيب محفوظ، شيخ الروائيين العرب، فإنه تجنب صياغة سيرة حياته في عمل روائي مكتفيا بـ ''أصداء السيرة الذاتية''· في ألآداب الغربية هناك تصنيفان لكتابة السيرة الذاتية· الأول هو Autography وهو كتابة السيرة الذاتية بنص صاحبها، أما الثاني وهو Biography أي كتابة سيرة أحد المشهورين بنص كاتب آخر، ويشتمل النوع الثاني على أسماء في عالم الفن والأعمال والرياضة ونجوم المجتمع والتلفزيون والسياسة وغيرهم· وقد كتب مفكرون ومبدعون كثر سيرهم في أعمال أدبية مؤثرة، مثل اعترافات جان جاك روسو، ومذكرات جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وأندريه جيد، وجان جينيه، وفرانسواز جيرو··· وفي كل سيرة ذاتية لكاتب مبدع، هناك ''مفاعل روائي'' كأنه عامل مشترك بين الجميع هو مزج وقائع الحياة اليومية بالمتخيل الحكائي· وقد نجح كثيرا في هذا المزج غابرييل غارثيا ماركيز في مختلف أعماله، بحسب ما فصله في سيرته المعنونة ''نعيشها لنرويها''·· نعود إلى هذيان الرواية التي نالت حظ الترشيح لجائزة مرموقة· فعلى امتداد 233 صفحة من القطع المتوسط، لم نقرأ وقائع، ولا أحداث· لم نقع على سرد، ولم نصادف حكاية· لم نتلمس شخصية، ولم نحفظ اسما· كل ما قرأناه هو نوع من ''المونولوج'' يخاطب به المؤلف نفسه· والمونولوج كتابة راقية عندما تقدم نفسها كنص محدد، في ظرف محدد، أما حينما يمتد على مساحة جسد روائي مترام فإنه، يكسر كل قواعد اللاوعي منذ اكتشفه سيجموند فرويد·· ويصبح مجرد هذيان متواصل، مبرره الوحيد هو كل ما يحيط بنا من هذيان·· جماعي·