نقول عمن يبالغ في كلامه أنه أطنب، فما أصل الإطناب؟ جاء في «مقاييس اللغة» أن الطاء والنون والباء أصلٌ يدلُّ على ثَبات الشَّيء وتمكنه في الاستطالة. من ذلك الطُّنُب: طُنُبُ الخِيام، وهي حبالُها التي تشدّ بها. يقال طَنَّبَ بالمكان: أقام. والإطْنابة: المِظلّة، كأنَّها إفْعالة من طَنَبَ؛ لأنها تثبت على ما تُظلِّله. والإِطْنابة: سيرٌ يشدُّ في طَرَف وترِ القَوْسِ. ومن الباب قولهم: أطنب في الشيء إذا بالغ، كأنَّهُ ثبت عليه إرادةً للمبالغة فيه. ويقولون: طَنِبَ الفَرَسُ، وذلك طول المَتن وقوَّته، فهو كالطُّنُب الذي يمدُّ ثم يثبَّتُ به الشيء. وكذلك أَطَنَبَت الإِبل، إذا تَبِعَ بعضُها بعضاً في السيرِ. وأطنبت الرِّيح إِطْناباً، إذا اشتدّت في غُبار. ومعنى هذا أن ترتفع الغَبَرة حتى تصير كالإطنابة، وهي كالمظلَّة. وفي «الصّحّاح في اللغة» الطُنبُ: حبل الخباء، والجمع أطناب. يقال خباءٌ مُطَنَّب ورِواق مطنَّب، أي مشدودٌ بالأطناب. والطُنُبُ أيضاً عِرْقُ الشجر وعَصَب الجسَد. والمَطْنَب المَنْكب والعاتق. قال امرؤ القيس: تُغَشِّي المَطانِبَ والمَنْكبا .... وإذ هيَ سوداءُ مثل الفَحيمِ والطَنَب، بالتحريك: اعوجاجٌ في الرمح. كان لابن جني هوى في أبي الطيب وكان كثير الإعجاب بشعره وقد شرحه شرحاً مطولاً. وكان يسوؤه إطناب أبي علي الفارسي في الطعن عليه. واتفق أن قال أبو علي يوماً: اذكروا لنا بيتاً في الشعر نبحث فيه. فابتدر ابن جني وأنشد: حلت دون المزار فاليوم لو زر ت لحال النحول دون العناق فاستحسنه أبو علي واستعاده وقال: لمن هذا البيت فإنه غريب المعنى؟ فقال له ابن جني: هو للذي يقول: أزورهم وسواد الليل يشفع بي وأنثني وبياض الصبح يغري بي فقال: والله وهذا أحسن فلمن هو؟ قال للذي قال: أمضى إرادته فسوف له قد واستقرب الأقصى فثم له هنا فكثر إعجاب أبي علي واستغرب معناه وقال: لمن هذا؟ فقال للذي قال: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى فقال: هذا والله أحسن، ولقد أطلت يا أبا الفتح، فمن هذا القائل؟ قال ابن جني: هو الذي لا يزال الشيخ يستثقله ويستقبح زيه وفعله. وما علينا من القشور إذا استقام اللباب! قال أبو علي: أظنك تعني المتنبي؟ قال: نعم. فقال: والله لقد حببته إليَّ ونهض ودخل على عضد الدولة، فأطال في الثناء على أبي الطيب. ولما اجتاز به استنزله إليه واستنشده وكتب عنه أبياتاً من شعره. وكان أبو العلاء المعري يتعصب للمتنبي ويزعم أنه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام. وكان المرتضي يبغض المتنبي ويتعصب عليه. فجرى يوماً بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضي وجعل يتبع عيوبه. فقال المعري: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله: «لك يا منازل في القلوب منازل» لكفاه فضلا، فغضب المرتضي وأمر فسحب برجله وأخرج من مجلسه. وقال لمن بحضرته: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكرها. فقيل النقيب السيد أعرف، فقال: أراد قوله في هذه القصيدة: وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل