كما في التاريخ، كذلك في الشعر هنالك دول تُدوَّل وإمارات تنقرض· قبل أحمد شوقي، لم يكن ثمة من حديث عن إمارة في الشعر ولكن بعد تنصيبه في العام 1927 أميراً للشعراء في حفلة تنصيب مشهورة، صار للإمارة مقتضياتها من حاشية وولاية عهد وصراع على الخلافة وما أشبه ذلك· فبعد موت الأمير تنطّح كثير من الشعراء لملء الكرسي الشاغر· ومن طريف ما يذكر، أن عباس محمود العقّاد تصدّى لهذا اللقب في مصر، وقام من يبايعه على ذلك، وذكر أن الأمر لم يكن حباً بالعقاد وإعجاباً بشعره بمقدار ما كان نكاية بشوقي وحسداً له، حتى أن طه حسين بالذات وكان صاحب مزاج نفسي وذوق أدبي خاص به في خصوماته الأدبية، دبَّج المقالات في تنصيب العقّاد·· ومثلما انتهت أشعار العقّاد للذكر في ميزان الإبداع الشعري، ما خلا أبيات قليلة، ذهبت مقالات طه حسين في إثرها هباءً مع الريح، فتلك الفرس لم يكن لها ذاك الفارس· يذكر أيضاً في النصف الأول من القرن الماضي، أن واحداً من أجمل الناثرين على الإطلاق في الأدب العربي، هو أمين نخلة، كتب بيتين من الشعر، ونسبهما لشوقي يقولان باختياره لولاية العهد وصيغة البيتين اللغوية وأسلوبهما التعبيري، يشيران إلى أمين نخلة بالذات، أكثر مما يصح تنسيبهما لشوقي، وهما: هذا وليّ لعهدي وسيّد الشعر بعدي فكلّ من قال شعراً في الناس عبد لعبدي ولم يكن أمين نخلة يجهل أن في عقر داره، وفي منزله الأبوي بالذات كان يقيم أمير آخر للشعر بالعامية، هو والده رشيد نخلة الذي كان أول من لُقِّب بأمير الزجل، ونُصّب على هذه الإمارة في العام ·1933 يذكر الدكتور ميشال جحا هذه الواقعة في كتابه ''أعلام الشعر العامي في لبنان''، فيذكر أن إمارة الشعر العامي من بعد وليم صعب شغرت بموته، فأقيم حفل المبايعة لأمير الزجل اللبناني الجديد رشيد نخلة في نادي الكريستال في بيروت 13 نيسان ·1933 وقد رافقت حادثة التنصيب هذه مأساة شخصية حلّت بالأمير في يومه بالذات، فقد بُتِرَتْ ساقه بسبب مرض ''السكري'' الذي أصابه ولم يهيأ للأمير اعتلاء كرسي الإمارة· واليوم وبعد موت الأميرين وبقاء اللقب لكل منهما لا على أنه لقب بالمطلق وإمارة لها تخومها وطقوسها ومواريثها ويتم عليها الصراع ويسمى لها أولياء للعهد·· بل على أنه (أي اللقب) إشارة لقيمة إبداعية عالية لكل من الشاعرين، نسأل: أين هي حيويّة الشعر بالذات، سواء ارتبط هذا الشعر بالفطرة وشفاه المتكلمين، هناك حيث ''تخشخش أصابع الحياة'' كما يقول ميشال طراد في الشعر بالعامية، أو ارتبط بالفصحى والتاريخ والذاكرة·· بل أين هُمْ رعاياه من الناس؟