ما هو الفارق بين صيف زمان وصيف اليوم، بين طبيعة الشعور به في فترة الصبا وفي فترة النضج ؟ هل تغير شيء ما في تفاصيل حياتنا حتى إننا بدأنا نشعر بفارق كبير في تعاطينا مع الأشهر التي تمتد من الشهر السادس وحتى الشهر التاسع ؟ في زمن الطفولة، في رأس الخيمة، حيث مسقط رأسي، كنا نعيش في مشهدين للصيف، جزء منه قرب الشاطئ والآخر في منطقة النخيل، التي تكثر فيها مزارع النخيل وظلالها البهية والهواء النقي المنساب مع خصلاتها، وحيث الليل الهادئ بسمائه الصافية وقمره المكتمل ونجومه التي تكاد تدنو حد القطف· وبقدر ما كانت الرمضاء تلسع أقدامنا الشقية، كان الماء يحتوى أجسادنا النقية والطاهرة ويعطي للصيف معنى آخر، وبقدر ما كانت الشمس حامية، كان الظل حميماً تحت أشجار النخيل أو شجر اللوز أو طرف أحد منازل السعف، كما كان الليل شاعرياً بامتياز، حيث يكفي التمدد على ''السيم'' والتحديق في السماء بنجومها الشديدة اللمعان والقمر وهو يطوف بكامل بهائه أمام العيون، حيث يبوح له العشاق أسرارهم وتحلم الفتيات بأحباب يراقصونهم على سطح القمر؛ والأمهات يحلمن بأن يكون غدا أجمل، فيما الجدات تسردن الحكايات ويحرضن خيال الصغار على الإتساع بقدر الكون· الصيف القديم تُبَرِد حره البراجيل·· الصيف القديم يهب للجسد حريته وخفته·· الصيف القديم يُزَينه الرطب واللوز والتين·· والصيف القديم يتآنس مع الأُسر وجلوسهم تحت شجرة اللوز لتناول وجبة الغداء في الفضاء المفتوح بكل محبة·· الصيف القديم له طعم ورائحة وعشق واشتياق وفرحة في اللقاء، تماماً كما للشتاء فرحة وعشق واشتياق· الصيف كان بصفاء أرواح الناس الطيبين· ولكن ما الذي حدث؟ تغير الواقع إلى المدى الأخير من التوقع وتبدل كل شيء ولم يعد الصيف قادراً على أن يكون جميلاً كما كان، أو بأكثر دقة لم نعد نحن نقدر على أن نكون كما كنا، فهذا المشهد الجديد غير التعاطي مع الماء أو مع الظل الذي لم يعد يلتفت إليه أحد· مات النخيل وجفت المياه في معظم الآبار، وربما جفت حتى في أعماق أرواحنا، تاهت ذاكرة الطفولة أو ربما ماتت وإلى الأبد· حيث وحدك تستدعي الزمن ولا يأتي إلا شاحباً مهزوماً ومكسوراً في النفس تحدق في عين الصبي·· وترى السراب وهو يغرق الأيام والحنين تفتش عن حبٍ غسل روحك وطهر عينيك الجميلتين؛ ولا تجد سوى الذين يدفعونك إلى الهاوية دون حذر أو تردد أو خوف·· إذن لا تلتفت ودع حدقات عينيك تتسع لتحتوي كل صور الجمال في بلادك وغني للريح أن في روحك تسكن الحكايات وفي قلبك الدافئ حب لكل الأهل وتفاصيلهم· saadjumah@hotmail.com