بالرغم من رواج وشعبية المسلسلات التركية في البلاد العربية، التي تكاد أن تلهب كل البيوت من أطراف الماء إلى أطراف الصحراء، حتى أصبح النساء العربيات منجذبات ومعجبات بالبطل التركي وبطلته البهية، ورشاقته ورومانسيته، وذاك الشقار الذي يخالطه الحَمَار، ودمع عينه الذي يسبقه دموع كل المشاهدين، وبعض المشاهدات حالهن يقول: “ياليتني أنا.. ولا في مهند” في ظل انتكاسة للبطل العربي المغْبَرّ وترهله وسماجة حديثه المكرر والمعاد والذي صار له أكثر من ثلاثين عاماً يبحث له عن شقة لينستر مع بنت الحلال أو يشكو دائماً محاربته في عمله الذي يعد نفسه الشريف الوحيد!
نخرج من حديث الفن إلى حديث السياسة، اليوم بالتأكيد هناك بطل تركي فرض وجوده ليس من حادثة أسطول الحرية، ولكن كان هناك قبلها في مواقف حازمة ومشادات كلامية خرجت عن الأعراف الدبلوماسية بين أردوغان ومسؤولين إسرائيليين من أجل الإنصاف والحق ومن أجل قضية الفلسطينيين، وقضية القدس أولها، هذا الدور التركي والذي يلقى صداه في الشارع العربي المتعطش لبطولات وزعامات كاريزمية تُعود له بعض الهمة الغابرة، وبعض الكبرياء المفقود، كذلك تجد الصورة التركية الجديدة في قلب المواطن العربي الصادق شيئاً من الهالة القدسية وملامح لأبطال أسطوريين لم تشهدهم عينه إلا من خلال قراءات في أسفار قديمة وممعنة في التاريخ البعيد.
ظهور هيبة الآستانة من جديد وبابها العالي يزعج بعض العرب ويزعج بعض قادتهم، ويظهر الضعف والاتكال واللامبالاة العربية تجاه قضاياهم وحقوقهم ومقدساتهم وكرامتهم بين الشعوب.
ظهور بطل تركي معناه غياب بطل عربي، وإعلان موقف تركي صارم وحازم معناه ضمان موقف عربي قوي وجازم، لكن ما الذي يجعل لصورة البطل التركي هذا القبول والترحيب غير أننا عاطفيين في معظم الأحوال، ونفتقد البطل المثالي كما في تاريخنا، برأيي أن تركيا اليوم هي المعادل السني لإيران ذات الأغلبية الشيعية، بعد غياب باكستان في فساد عام لن تقدر على الخروج منه، ثم الطرح التركي لإسلام معتدل وتفكير ليبرالي حر، يستطيع أن يتخاطب مع الجانب الأوروبي ومسموح أن يعيش في مجتمعاتهم، غير إيران التي تصارع الشيطان الأكبر وأعوانه الأوروبيين، وتطرح إسلاماً سياسياً مؤدلجاً غير قادر على تحمله الشعب الإيراني نفسه قبل الشعوب الأخرى، وأخيراً تركيا هي المرشحة لزعامة شرق أوسط كبير، وهي القابلة أن تكون جسراً يربط بين آسيا والعالم الإسلامي وأوروبا!
نعود إلى عجوزنا “جامعة الدول العربية” لقد أشفقت عليها وعلى حالها وعلى صوتها الذي لم يعد يخرج من صدرها المجوف، في حين نيكاراغوا أعلنت قطع علاقاتها بإسرائيل، ماذا يمكننا أن نقول في نهاية هذا المسلسل التركي الجميل إلا أن نبكي عجوزنا “جامعة الدول العربية” بدمع سخين، ونقول: “تحيا نيكاراغوا حرة ..”!


amood8@yahoo.com