نقبل إلى الحياة بعيون تظل مغمضة للحظات إلى أن يوقظنا الأطباء بصفعة على الظهر فترتفع الأجفان ويتسرب النور الأول إلى بصرنا فننتقل من مرحلة البصيرة الأولى التي كنا ننعم بها في رحم الأمهات، إلى البصر المباشر والحاد الذي نتعرف من خلاله على الواقع والموجودات العينية من أجساد وأشياء. ومع الأيام نكبر ونظل نراقب ونرى الأشياء بهاتين العينين فقط، وهما العين المجردة، وعين البصيرة التي نرى بواسطتها الأشياء المجردة غير المحسوسة مثل الحنين والشوق وغيرها.
خلق التوازن والانسجام بين معاني المجردات والمحسوسات يعد مهارة عليا لدى بعض البشر، والشعراء أكثر من طور هذه المهارة عندما راحوا يصبغون على الأشياء المجردة معاني جديدة عن طريق اللغة والتعبير، ولذلك يتحول البحر إلى رسالة حب زرقاء كتبها العاشق قبل رحيله في سفن الغربة والمصير، وبالشعر يمكن للنجمة البعيدة أن تصير أغنية في قلب البدوي وهو يعبر ليل الصحراء الشاسعة وحيداً متحصناً بالنار والكلأ.
هناك في الفلسفات الشرقية أعين أخرى لدى الإنسان يمكن ببعض التدريبات أن تتفتح وأن يرى منها الشخص عوالم وأبعادا أخرى من الوعي، أشهرها (العين الثالثة) ومكانها ما بين الحاجبين، ويمكن عن طريق هذه العين الولوج الى عالم الرؤى وقد يصل البعض إلى امتلاك قدرة قراءة هذه الرؤى التي قد تكون على شكل أصوات وأحياناً على شكل مشاهد تشبه الأحلام لكنها تحمل رسائل وإشارات كونية. وقد يرى البعض ألواناً ونوراً فقط وأحياناً لا تكون هناك سوى العتمة الكاملة أو النور الصافي المجرد. ولا يوجد تفسير واضح حتى الآن عن طبيعة هذه العين وكيفية عملها وقدراتها. ولنا في التراث العربي مثل كبير على تفتح هذه العين لدى شخصية زرقاء اليمامة التي كانت ترى المستقبل قبل أيام وأحياناً شهور.
هناك على رفوف المكتبات اليوم، المئات من الكتب التي تدرب الناس على استخدام العين الثالثة، خصوصاً تمارين التأمل والاستغراق. وهناك أيضاً تمارين التخيل المتعمد كأن تتصور نفسك تمشي في أماكن بعيدة وسط الغابات المسالمة وتدخل إلى قصور من النور وتلتقي بذاتك في مرايا ذهبية. وتعج ثقافات التأمل الشرقية والغربية بمثل هذه التمارين التي تهدف إلى تهدئة العقل وتكون مفيدة أحياناً في العلاج.
العين الرابعة التي نحتاج إلى اكتشافها ورؤية الوجود من خلالها هي (عين القلب)، وهي متاحة لدى جميع البشر ويمكن بأسهل الطرق تدريب أنفسنا على النظر من خلالها. فقط علينا الانحياز إلى ما يراه القلب، أن نحدّق قليلا في وجودنا بقلب مفتوح على المحبة، وعندها ستدلنا عين القلب على طرق النجاة التي هي في الأصل أمامنا ولكن لا نعرف كيف نبدأ بالخطوة الأولى في دروب النور.


akhozam@yahoo.com