يبدو أن الأمن سيكون التحدي الحقيقي والأكبر في بطولة كأس العالم بجنوب أفريقيا، وأن المونديال سيكون مونديال الأمن قبل كل شيء، وإذا كنا نرفض أن ننساق وراء نظريات التشاؤم، أو التي تقلل من حجم ما بذلته جنوب أفريقيا وتبذله لتكون عنواناً مشرفاً لأول استضافة في القارة السمراء للبطولة الأغلى والأروع، إلا أن ذلك لا يمنعنا من التساؤل عن طبيعة التحديات التي تواجه البطولة، وهل ما حدث أمس الأول في مباراة نيجيريا وكوريا الشمالية يعد مؤشراً على شيء ما، أم أنه مجرد حادث عارض ليست له أية دلالات ولا يعكس القوة الحقيقية لسيطرة الأمن هناك على كل شاردة وواردة. قبل شهور وأسابيع من المونديال، بل ربما منذ تم الإعلان عن إقامة البطولة في جنوب أفريقيا، والحديث لم يتوقف عن الهاجس الأمني، والتحذيرات تأتي من كل صوب وحدب، الأمر الذي دفع أميركا إلى تحذير رعاياها في جنوب افريقيا من حدوث أية أعمال إرهابية خلال البطولة، وطالبت شركة ألمانية لاعبي المانشافت بارتداء قمصان واقية من الرصاص عند خروجهم من الفندق، حتى لا ينضموا إلى قوائم الضحايا التي يدخلها في المتوسط 50 قتيلًا يومياً أو نحو أربعين شخصاً تتعرض سياراتهم للخطف يومياً هناك. وفي المقابل، ردت جنوب أفريقيا بعدد من الإجراءات الاحترازية والوقائية، لكنها في مجملها دليل على أن الأمور ليست وردية، فإن تخصص الدولة المستضيفة 44 ألف شـرطي للعمل خـلال البطولـة، و200 وحدة متخصصة في «التدخل السريع»، وأن تقام هناك أكثر من 4700 شركة أمن، كلها مؤشرات على أنهم يدركون صعوبة المهمة، وإذا كان الخطر يحدق بالزوار في الأيام العادية، فما بالك بكأس العالم، حيث تصبح جنوب أفريقيا محطة ووجهة مثالية للسائحين وعشاق الكرة من كل أرجاء المعمورة. لا أتوقع بالطبع أن يقرأ تلك السطور، أي من مواطني جنوب أفريقيا، لأخبرهم كيف أن العالم أجمع يحسدهم على هذه الأيام التاريخية التي سيكونون فيها محط أنظار العالم، وكيف أن تلك البطولة تمثل لدى دول وشعوب كثيرة حلماً بعيد المنال، لا يسهل تحقيقه، وأنهم سجلوا ريادة كروية في أفريقيا، لا يضاهيها شيء، وأن عليهم وحدهم أن يساندوا حلمهم، وأن يثبتوا للعالم أنهم كانوا أهلاً للثقة، وأهلاً للتحدي، وأنهم جاهزون ليكونوا عاصمة العالم طوال شهر يتوقف فيه التاريخ الكروي عندهم ليسطر في كتاب الساحرة المستديرة فصلاً جديداً باسم جنوب أفريقيا. بالطبع لن نعود إلى معايير الاختيار، فأفريقيا تستحق، باسم كل النجوم الذين صدروا المتعة إلى العالم، وبفعل كرتها التي تحتل مكانة لا يستهان بها عالمياً، وجنوب أفريقيا تستحق بإقبالها وتوفيرها كافة مقومات التفرد، ونواياها الطيبة وعزمها على أن تنظم بطولة استثنائية، ولكن النجاح لا يأتي بالنوايا، وكل ما قدمته يتضاءل أمام القادم خلال أيام البطولة. كلمة أخيرة: غادرنا أمس إلى جنوب افريقيا الصديق والزميل راشد إبراهيم الزعابي لتغطية فعاليات البطولة.. كل الأمنيات برحلة موفقة، وأن يعود “بو مايد” سالماً غانماً بإذن الله. mohamed.albade@admedia.ae