الكتابة عن إنجازات شباب وبنات الإمارات هو بمثابة تسجيل ضروري لتاريخ التطور الإنساني في المجتمع الإماراتي، كما أنه رصد مطلوب للتغيير الاجتماعي الذي يشكل في نهاية الأمر الحراك الطبيعي لهذا المجتمع ، فالإمارات مجتمع حي نابض بالتغيير ليس على مستوى بناء العقارات الضخمة وناطحات السحاب والأبراج فقط، ولكن على مستوى التغير الذي يصيب طبيعة الأدوار التنموية التي يلعبها ابن الامارات في مسيرة دولته ومجتمعه، والأمر اللافت هنا هو أن المرأة أكثر إنتاجاً لقيم التغيير ولمظاهر التحولات الفكرية والاجتماعية من الرجل لأسباب مختلفة .
لفتت نظري أكثر من تجربة نوعية قادتها فتيات إماراتيات في الآونة الأخيرة جاءت على شكل منجزات حقيقية بالفعل وشكلت نوعاً من التجاذب في وجهات النظر بين مؤيد وعارض، وهذا التجاذب ليس هو القضية، لكن القضية هي أن هناك إنجازات لافتة استحقت السجال والمناقشة وهي منجزات قل أن نتابع مثلها على صعيد إقليم الخليج تحديداً، ففي الآونة الأخيرة برز اسم أول امرأة عربية تجوب غياهب القطب الشمالي في تجربة استثنائية ليست سهلة على الإطلاق، وقد احتاجت الرحلة على قسوتها وخطورتها الكثير من الإعدادات والاستعدادات والمؤهلات والإمكانات المادية ، إلا أن الفتاة قد خاطرت بحياتها من أجل كسر حالة الاستسلام للأعمال العادية البعيدة عن المغامرة والمخاطرة ، أرادت أن تقول إن أبناء الامارات ليسوا كما يقال عنهم مجرد أشخاص مستسلمون لحالة كسل وبلادة فطرية بعيدون عن المغامرة والمبادرات الإنسانية التي تستحق الاهتمام والتقدير .
لقد ذهبت إلى أصقاع بعيدة وجابت مناطق ليس من السهل بلوغها نظراً لطبيعتها المناخية القاسية ولتحولاتها الخطيرة، خاصة ما يتعلق بجبال وكهوف وحوائط الجليد العملاقة التي قد تودي بحياة المغامر إذا لم يكن مستعدا استعداداً نفسياً دقيقاً وصارماً ، لقد كانت رحلة كبيرة واستحقت التقدير والمتابعة فعلاً .ولم يسبق ابنة الامارات إليها أي امرأة عربية أخرى وهذا إنجاز مشرف بالرغم من وجهات نظر أخرى لم تنظر إليه كما ينبغي !!
هناك فتاة أخرى سجلت اسمها على قوائم لا تحمل سوى أسماء رجالية بحتة لمغامري سباقات رالي السيارات الخطيرة ، وهي خطوة جريئة وتحسب لأول فتاة إماراتية عربية تسجل في هكذا مغامرات قد لا ينظر إليها البعض باهتمام أو دهشة لكنها بالفعل تكسر حالة الاستحواذ أو الاحتكار الذكوري لكثير من المهن والمهارات والأعمال ، فعلميا تقول ابنة الإمارات أنه لاوجود لصفة محددة لأي وظيفة أو عمل ، بمعنى أنه ليست هناك مهن مؤنثة ومهن مذكرة ، القضية تعتمد على قدرات الإنسان واستعداداته الذهنية والنفسية والمادية أولاً وأخيراً ، إنه وبحسب علوم الاتصال والاجتماع فإن هناك أفراداً في أي مجتمع يشكلون الرواد في كل مجال، إنهم الاشخاص الذين يتولون مهمة قيادة المجاميع المتقدمة نحو التغيير حتى لا يظل المجتمع يراوح مكانه .
بالأمس نجحت ابتسام وحمده كأول فتاتين إماراتيتين تخوضان تجربة التدرب ضمن برنامج تعليمي تربوي في جامعة أسترالية ، خضعتا لاختبارات قياس صارمة ، وأثبتتا أنهما “قدها وأكثر” وقدمتا نفسيهما كمعلمتين جديرتين لتعليم وتدريب الأطفال الأستراليين وقيادة مشاريع تربوية اجتماعية داخل بيئة أسترالية ومع أولياء أمور أستراليين أولوا الفتاتين اهتماماًكبيراً، وأبدوا إعجاباً شديداً بمهاراتهما وبزيهما كفتيات عربيات محجبات يدرسن أطفالاً غربيين في مجتمع له مواقفه المتشددة من الحجاب.
لا نملك سوى أن نشد على أيدي كل الساعين لإعلاء راية الإمارات ودفع المجتمع باتجاه مسارات أخرى متقدمة في متواليات التغيير نحو الأفضل .

ayya-222@hotmail.com