تنظر إلى المنهمكين، الغارقين في بطون الصفحات، الهائمين في أتون عوالم، تغص بالفكرة والعبرة، فتشفق على أحوالهم.. تتذكر زمانك، يوم كنت تشعر بتضامن مع هؤلاء الطلبة، الذين يقرأون ويقلِّبون الصفحات، وأحياناً يتثاءبون، متململين، ولكنهم تحت إلحاح الأهل يذعنون وينصاعون، ويصرون على مقاومة الملل، يطردونه بالضحك أحياناً، وبالمناوشات والمشاغبات أحياناً أخرى، وبعد شغب وصخب، يعودون إلى الكتاب، ومخيلاتهم تتسع لصور كثيرة، ومشاهد مستقبلية، ملونة ومزركشة، ومزخرفة، ومنقوشة بدوائر ومربعات ونجوم وأخماس، وشموس.. تنظر إليهم وترى في عيونهم لمعان البراءة، ووميض رغبات كامنة، وقصائد شعرية تتراقص أبياتها، ما بين الرمش والرمش، وأنت تنهمك، ولا تستطيع أن تغادر ماضيك، لأنه يتجلى بوضوح، وبصور زاهية، على جباه الصغار، التي تغضنت قليلاً بفعل الانفعال والانفصال عن فرحهم الطفولي، لأن الامتحان له هيبته، والدرجات التي ستطل بعد حين عبر ورقة بيضاء، مخططة بالأرقام، أيضاً لها معناها الإنساني، الذي لا يقبل القسمة على اثنين، سوى أنه حالة من زرع القلق، وصناعة الأرق، ونثر بذور التوتر، على الرغم من أن وزارة التربية، تبذل ما في وسعها، لبث الطمأنينة، في محاولة جادة منها لتخفيف هذا التوتر، ولكن يبقى الإنسان إنساناً، وأي امتحان أو مسابقة، يحمل نتيجة نجاح أو فشل لا بد وأن يكون مخيفاً، ولا بد أن يحسب له الطالب ألف حساب.. فالصغار، من بعد مرحلة الثالث الابتدائي يدخلون هذا المعترك، وبعضهم يكون محملاً بأوزار مخاوف الأهل وقلقهم، فينقلون هذا الفيروس إلى قلوب الأبناء الصغار.. بعض أولياء الأمور، يتصورون أن هؤلاء الأطفال في مواجهة معركة حياة أو موت، ما يجعلهم يسوطون الصغار بقلق جارف، يسحق الفرحة من عيونهم، ويمحق الأمل من أفئدتهم، ويجعلهم مرتجفين، خائفين، مخضوضين، يذهبون إلى قاعات الامتحان، وكأنهم ذاهبون إلى مقاصل الإعدام.. ومن هول الخوف ينسون ولا يتذكرون، يتخبطون ولا يتثبتون، ومهما سهلت الأسئلة تبدو أمامهم، صعبة عسيرة، لأن الذهن الذي حفظ وهضم لم يعد حاضراً، فقد اختطفه الخوف وطار به إلى عوالم النسيان حيث لا رجعة لمعلومة، ولا حضور لإجابة على سؤال.. نقول الحرص واجب، والحذر أمر مطلوب، وتحريض الأبناء على المذاكرة، والاهتمام بهذا اليوم، يوم الامتحان أمر واجب، ولكن الذي لا يمكن قبوله، هو جلد هذا الإنسان الصغير، بحزمة من التهديدات، وأساليب التوبيخ، وعبارات التأنيب ما يجعله يفقد ثقته بنفسه، وبالعالم من حوله، حتى أن بعضهم يضطر إلى الغش، حتى وإن كان قد صرف دم قلبه ودم قلب والديه على الدروس الخصوصية، التي لا ترحم ولا تترك مجالاً لاختطاف كل ما في الجيوب.. نقول : علموهم على الثقة بأنفسهم، واتركوهم ليخوضوا غمار الحياة.


marafea@emi.ae