بعض الوجوه تراها مكفهرة مستنفرة، وكأنها فرت من قسورة، تدخل على شخص في مكتبه أو تقابله في زقاق أو شارع أو مدينة، أو قرية، فتراه مقضب الجبين، عاقد الحاجبين والوجه اللجين أصبح كالعجين المعفر بالتراب والطحين، تحاول أن تفك العقدة وأن تنشئ لحمة التواصل مع إنسان لابد أن تتواصل معه فلا جدوى، بل إنه يصر على أن يريك العين “الحمرا”، ولا تدري لماذا، وربما لأنه يعاني من عقدة نقص ويود أن يثبت أنه رجل يتمتع بشخصية قوية فذة، وذات قيمة اجتماعية، ينظر إليك بوجه متجهم متفاقم والحمق فيه يتعاظم، كأمواج جاءت من فورة بركانية عاتية، تحاول أن ترطب الجو وتنثر رذاذ الانسجام، فلا فائدة؛ لأن الشخص الذي أمامك اتخذ قراره، وقبل أن يغادر بيت أم العيال، بأن يكون شخصاً آخر غير ذاك المذعن الواهن الساكن بين يدي صاحبة الجمال والدلال، تحتار في الأمر تفكر وتقلب صفحات التاريخ، لعلك تجد ما يعينك على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تتذكر بعض سوالف الماضي وشيطنة الصغر، تذكره بها فلا يناولك غير ابتسامة باهتة وقديمة قدم الدهر، ثم يخفض بصره وكأنه يريد أن يوحي إليك قائلاً، انصرف عني من فضلك وإلا لجمتك بنفسي، يصرصر الكرسي من تحتك وكأنه هو الآخر ضاق ذرعاً من تذمر صاحبك، فلا تجد غير أنك تنهض مشيعاً صديقك بابتسامة فيها من الاستنكار والشجب، واللعنات الباطنة والظاهرة، مغادراً المكان تاركاً الفكرة تجوب نواحي الرأس وتقلب المواجع والفواجع، وتستعيد صفحات وجه الصديق مرات ومرات، تحاول أن تجد تفسيراً واحداً لهذه العتمة التي اتشح بها وجهه والغمة التي استوطنت صوره والغلظة التي استحكمت مخارج ألفاظه، فلا مبرر غير أنك تلعن اللحظة التي فكرت فيها أن تذهب إلى ذاك الطريق لتصادق هذا الطريق، أو الفرصة التي فتحت لك منافذ الزيارة لكائن بشري انسلخ من آدميته ليتحول إلى دمية من شمع وبلاستيك.. هذه حالة من حالات المكتئبين الذين يستولون على لحظات الزمن بقلوب عصرتها أزمنة واغتالت فيها الفرحة، حتى كادوا أن ينسوا أن الابتسامة في وجه الإنسان صدقة، بل هي أيضاًَ توسع حدقة العلاقة وتكسر حاجز الغربة والجفول، والأفول، ونحن بحاجة إلى الكلمة الطيبة لأنها شجرة مثمرة عامرة بالأزهار والأغصان الخضراء جذرها في الأرض وفرعها في السماء. نحن بحاحة إلى معاملة الآخر بالحسنى وطيب المعشر لأن ما يفرق الإنسان عن غيره من سائر الكائنات، هي قدرته على التواصل مع الآخر دون ريبة أو مغبة استنكار، نحن بحاجة إلى قليل من الحب لنجسد ونجبر كسور الزمن ونردم الفجوة الزمنية التي قد تطرأ في علاقات البشر. نحن بحاجة إلى هذا الكائن الصغير الرابض في الصدر أن ينبض وأن يتكلم بلغة “أنا وأنت معاً”.


marafea@emi.ae