من جديد تثبت الأيام نجاعة ورجاحة الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول في منطقتنا الخليجية، وفي مقدمتها الإمارات فيما يتعلق بإجراءات تنظيم العمل الخيري والإسلامي، منعا لسوء استغلاله من جانب المتاجرين بالدين، والمستغلين لمنابر المساجد وحب الخير وإسداء المعروف الذي يميز أبناء المنطقة، وجُبلت عليه مجتمعاتنا بحكم الفطرة السليمة التي قامت عليها، والمنطلقة من قيم الدين الحنيف، وجوهر الإسلام ووسطيته واعتداله، وسمو رسالته. وتفاوتت المعالجة الخليجية لهذه الجوانب، ونعتز بأن الإمارات كان لها السبق في سرعة التحرك وإدراك الأمر قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة، كما حدث في الكثير من البلدان والمناطق، وبالأخص في جانب تنظيم الخطابة، وجمع التبرعات وطرق صرفها، وكذلك التصدي لفوضى الإفتاء التي أحرقت الكثير من المجتمعات غير البعيدة عنا. وتحركت في الوقت ذاته بالتركيز على الخطاب الديني الوسطي الذي يتصدى للأبواق المتطرفة ودعاوى الغلو ومروجي الفتن الذين انتشروا مع محاولات ومخططات المتاجرين بالدين -وعلى رأسهم “الإخوان”- تصدر المشهد، واختطاف المنصات والمنابر، وتسييرها لصالحهم ومصالح تحزبهم الضيق، وبما يكرس خطابا حزبيا وطائفيا ومذهبيا بغيضاً. نسوق هذه المقدمة بعجالة، ونحن نتابع إجراءات أوروبية جاءت متأخرة للتصدي لأهل الضلالة والتضليل، من دعاة الفتن الذين ألحقوا بدين الحق أبلغ تشويه وأكبر أذى. هذه الحكومات الأوروبية وقعت في الفخ منذ البداية، حيث قدم هؤلاء أنفسهم كلاجئين باحثين عن الحرية، وفارين من قمع “الأنظمة الظالمة”، وعندما فتحت لهم الأبواب، وتمكنوا من مفاصل العمل الخيري والإنساني والإسلامي فيها. اليوم استيقظت تلك الحكومات لتجد أفكار الكراهية، وإلغاء الآخر، وسفك الدماء ُتلقّن في الكثير من المساجد وتُزرع داخل العديد من المراكز الإسلامية على أراضيها، وأصبحت تسمح بتسلل العشرات من الفتية والفتيات إلى مناطق حروب ونزاعات لا علاقة لهم بها، للمشاركة بما يعتبرونه”جهادا” ليصبحوا بعد ذلك في قبضة إرهابيين ممن يجزون الرؤوس، ويبقرون البطون، ويلتهمون الأكباد، ويجعلون من هؤلاء المغرر بهم وقودا في معارك الاقتتال الداخلي بين كتائب وفرق الموت المجاني في العراق وسوريا واليمن والصومال وغيرها من ساحات “الغزوات” المفتوحة باسم الإسلام و”نصرة” المسلمين. ولعل في مقدمة الحكومات الغربية التي تحركت متأخرا، بريطانيا التي اعترفت مؤخرا بخطورة المشكلة، عندما أقر وليام شوكروس رئيس الوكالة الحكومية للجمعيات الخيرية في بريطانيا بأن التطرف الإسلامي بات المشكلة “الأشد فتكا” لهذه الجمعيات، بعد أن استغل مدانون بالإرهاب أو غسيل الأموال ثغرات في قوانين بلاده، وأسسوا من خلالها جمعيات جمعت أموالا لصالح جهات وتنظيمات متطرفة. وقد طالب المسؤول البريطاني رئيس وزراء بلاده، بإجراء تعديلات على القانون لسد تلك الثغرات. وقد جاءت الدعوة في وقت تواصل فيه الحكومة البريطانية تحقيقين متوازيين عن علاقة جماعة “الإخوان” بالإرهاب والتحريض على العنف، وحول دور المدارس الإسلامية في زرع العنف في عقول المهاجرين الشباب، لتنطلي عليهم الخدعة للانتحار بالأحزمة الناسفة في حرب عبثية تدور رحاها على بعد آلاف الأميال من بلدانهم. وأعتقد أن المراجعة الغربية الحالية مناسبة لمساعدة هذه المجتمعات الأوروبية على كشف وتعرية دعاة التضليل ومشايخ الفتن أينما حلوا أو رحلوا. ali.alamodi@admedia.ae