تكبر قيمة الذات بتجردها من التعلق والتوق، ومن اللهفة الجارحة لامتلاك ما يزول. والفروق بين من يصعد سلم الارتقاء، والنازلين منه، تكمن في عمق الوعي بهذه الحيرة الوجودية. هذا يصبح عبدا للملذات ويجري لاهثا للظفر بفُتاتها، وآخر يترفع على الذهب والمناصب والماس، ويكتفي بامتلاك المعنى والفهم، ويرى في ذلك عظمة ولا تضاهيها العروش. وما الحياة سوى لهاث مستمر وراء ما لا يُطال. يبدأ العاشق بالدخول في الحب راسما في المدى صورة امرأة شعرها يتسربل في الريح ومن يدها تبزغ أسراب عصافير خضراء، ثم يذهب متباهيا بين الناس يصرخ: هذه حبيبتي. لكنه يدرك في لمحة متأخرة، أن جميع الشعراء سبقوه من قبل في وصف المرأة ذاتها. وبعضهم ربما اختصر المدى في فضاء عينيها، وآخر جعل لها أجنحة شفافة ورفع خيالها الى مرتبة الملاك. آخرون، يلذّ لهم مطاردة المستحيل والإمساك بثوبه. يبدأ المغامرُ بالخروج من شحّ الرتابة مغلقا خلفه غرفة السكون، قاصدا قمة الجبل العالي. وفي الطريق الى مُناه، تجرحه الوعورة، ويخدش خطوته اليأس، لكنه يصعد غير مكترث إلا بهزيمة الوهن في ذاته. ومن يصل الى القمم البعيدة، لا يطمح في المال والكنز، لأن لذة ما يجنيه هناك لا يعادلها ثمن. وقلة من العظماء يدركون الحقيقة السريّة لهذا الطموح الإنساني الدفين في الذات. حيث الجلوس على قمة جبل حقيقي هو الوصول الى معانقة الخلاص. بينما التربع على عرشٍ من ورق هو عادة الموهوم وطريق الكُسالى والهابطين. لا تكتفي الذاتُ المغلقة على نفسها الا بالمزيد، عندما يجلسُ البخيل كل مساء ليعدّ ما كنزت يداه وفي نيته أن ينهب أرزاق الارض كلها. ولا يكترث البخيلُ لو تشرّدت البراءة في جوع أيامها، ولا يهمه لو صرخ العطشان يبغي قطرة ماء. ومن يسقط في حفرة الجشع، لا ترويه الأنهار كلها. ها هو البحرُ أكبر من أفواه الجميع، ولكن هناك من يرغب ان يشرب منه وحده. وها هي الشجرة تمد أغصانها الألف في كل الاتجاهات، ولكن يأتي من يكدّس ثمرها الى أن يفسد، ولا يقبل أن توزّع اللقمة على اثنين. من أنت أيها الخوف، كيف تُولد منك الأنانية وتصير عادة في نفوس كثيرين. ومن أنت أيها الكرم، كيف بك وحدك تستوي عدالة الميزان، وتزول من النفوس والقلوب عتمتها.