في بعض الأنشطة والفعاليات المتنوعة، يتركز “زوم” الصورة على شخص معين يحب ان يكون دائما في “بؤرة” تلك الصورة، تتحول مع الايام لقناعة لديه بأنه طالما كان في الصورة اذن هو موجود!، من دون أن يتوقف أمام حق احترام خصوصية بقية الأطراف وحقها في الظهور من عدمه.
ولعل من صور النماذج التي نطرح ما يجري في التغطية اليومية للامتحانات المدرسية حيث تنقل لنا الكاميرات صور مسؤولين مدرسيين يتفقدون اللجان الامتحانية، ويتوقفون لفترات طويلة فوق رأس احد الطلاب ليستعرضوا الورقة الامتحانية من دون تقدير بأن وقت ظهورهم وتصويرهم محتسب ومستقطع من وقت الطلاب الذين يحتاجون لكل دقيقة تمر، لتمضي في هدوء من دون ضجة لأجل التركيز لما جاءوا من أجله، وهو الإجابة على أسئلة المادة التي يمتحنون فيها.
اما احد ابرز مظاهر عشق التصوير لأجل ان يكون صاحبها في “بؤرة” الصورة، وبالتالي الاهتمام، ما نراه من تصرفات بعض الاطباء الذين يعلنون بين الفترة والاخرى عن نجاح عملية معقدة وفريدة من نوعها قاموا باجرائها. قد نفهم ان يقوم بهذا المسلك طبيب في مركز طبي خاص بغرض الدعاية والترويج، ولكن ان يصر اطباء يرافقون حملات خيرية على مثل هذا الامر، فذلك لا يعني سوى عشق مترسخ للذات، وهم يرسمون ابتسامات مصطنعة الى جوار مريض لا حول له ولا قوة. ولم يتم حتى استئذانه اذا ما كان يوافق على ان يراه العالم بتلك الوضعية ام لا؟.
حدثني زميل رافق إحدى هذه الحملات الطبية الخيرية كيف كان اطباء “عشق الذات” الذين يحرصون على أن يكونوا في “زوم” الصورة، ينصرفون بمجرد انتهاء التصوير، بينما كان أطباء “نكران الذات” هم من يبقى لإتمام العمل.
ولا تجد مثل هذا الادمان على الصور الا في عالمنا العربي، بينما تجد في البلدان الأخرى حيث يتم اجراء عمليات جراحية نوعية وممارسات طبية عالية الاحتراف، واحترام للخصوصية في اعلى صورها. ولا يتم الاعلان عن نجاح العملية الا في مؤتمر صحفي يحضره الفريق الطبي والمريض اذا وافق على الحضور. واحدث مثال على ذلك عملية ترميم وجه بالكامل لاحد الاشخاص في اسبانيا.
ذات مرة التقيت بصحفي غربي أسس منظمة خيرية لعلاج أطفال فلسطين، بعد ان كان قد توجه للأراضي الفلسطينية لتغطية الأحداث هناك. المهم في كل “البروشورات” والكتيبات الخاصة بأنشطة جمعيته، لمست حرص الأطباء على ألا يسرق إغراء الكاميرا الطابع الإنساني لمهمتهم، وفي الوقت ذاته احترام خصوصية أولئك الأطفال الذين استفادوا من خدماتهم، وحتى اولئك الذين تم تصويرهم كان مكتوبا تحت صورة كل منهم انها تمت بموافقة ذويهم. كان هذا الصحفي الذي تفرغ للانشطة الخيرية يقوم بتجميع اطباء متطوعين في مختلف التخصصات يرغبون في علاج مرضى خلال اجازاتهم، ويتولى الاتصال بشركات طيران لحثهم على التبرع بتذاكر سفر او تقديمها بأسعار مخفضة للاطباء المشاركين في الحملة وكذلك الامر في اتصالاته مع مستشفيات في بلاده للتبرع بمعدات طبية وادوية. والامر في الاول والاخير يتعلق بذات تعشق الصورة واخرى تفضل الإيثار ونكران الذات وذلك اعلى مراتب عطاء الانسان.

ali.alamodi@admedia.ae