ظل الجدل طويلاً حول مفهوم الأمة ووحدة الحال والمآل بين دول الوطن العربي، وهو جدل مستمر لكن دون نتيجة، حيث كشفت الأزمات الأخيرة أن للعرب أوطاناً مختلفة وليس وطن واحد وثقافات وليس ثقافة واحدة وأنظمة ومستويات اقتصادية متمايزة، وعلى الرغم من ذلك، فإن العرب على امتداد تاريخهم استطاعوا الحفاظ على فكرة الأمة ذات المصير المشترك والمشاعر الموحدة، لقد وفرت لهم اللغة العربية مظلة قوية وبوابة واسعة عبر التاريخ للإبقاء على الفكرة والتمتع بامتيازاتها الثقافية والوجدانية! لقد نجح العرب في أن يتحدثوا اللغة نفسها طوال قرون طويلة، وأن يواجهوا المخاطر والحروب والاحتلالات نفسها، وأن يهزموها فقط حينما كانوا متوحدين معاً، مع أن الحديث بلغة واحدة لا يعني أن المتحدثين يفكرون بالطريقة نفسها، ولا يعني أنهم يؤمنون أو يعيشون الحياة بالأفكار نفسها، مع ذلك فقد ظلت الأمة العربية صامدة على صعيد الواقع والفكرة معاً، إلى أن قرر اللاعبون الدوليون تفتيت الوطن وتجزأته على أسس طائفية وعرقية، ولحسابات ومصالح مختلفة، وللأسف فقد استسلم العرب لذلك وساروا خلف مشروع التفتيت كعميان حقيقيين! لقد اشتغلت معظم الأنظمة العربية السياسية طوال التاريخ الحديث للعرب، فترة ما بعد الاستقلالات الكبرى، بعملية التفريق والتمزيق واختراع العداوات وزراعة الأرض بكل بذور الفرقة أكثر مما اشتغلوا على فكرة الوحدة والتوحيد والتعاون، أليس هذا ما فعلته كل الأنظمة الانقلابية والعسكرية والبعثية في تاريخنا الحديث؟ يمكننا الاعتراف بهذا الواقع - لأنه واقع - دون أن يعني ذلك بالضرورة الكفر بفكرة الأمة والترابط والمصير المشترك، ودون أن يعني أيضاً شن حروب ورفع السلاح في وجه بعضنا بعضاً، ولكنه الاعتراف الذي يقودنا لتوظيف الواقع وإمكاناتنا بما يخدم مصالحنا طالما الكل يبحث عن مصالحه ويحميها على حساب الجميع! إن هذه الحروب التي تنتشر على كل البقعة العربية ستفكك القائم كله وبشكل بالغ القسوة كما هو واضح، وستعيد بناء شكل جديد للعالم، وعلى العرب أن يستغلوا ذلك ببناء اتحاد أقوى فيما بينهم، اقتصادي في المقام الأول، قائم على حماية المصالح والتعاون لتحقيق أقصى درجات النمو والتطور، وتعزيز الجذور العميقة والتشابهات الثقافية التي حتماً ستغني ذلك الاتحاد وتقويه، لكن بعيداً عن الشعارات الجوفاء وبعيداً عن الحروب والعداوات! هذا إذا أمكنهم الاقتناع بهكذا نتيجة!!