لكل مدينة في العالم نكهتها الخاصة، أو هذا المفترض قبل أن تغزو موضة ابتسامة هوليوود جميع المدن. نعم حتى المدن لديها ابتسامات تجميليه بأسنان بيضاء مصفوفة متساوية الطول جميلة جداً لدرجة غير جميلة، بل ومنفرة. هكذا صارت أغلب مدن العالم واحدة، تشبه بعضها بعضاً، ذات الرداء، ذات الطرقات، ذات التصاميم العمرانية والمقاهي والمطاعم والمحال التجارية، بهذا التوجه صار العالم أكثر مللاً، بلا نكهة، بلا عبق، بلا معنى، وكأن الحضارة العمرانية وُجدت فجأة الآن بهذا النمط البارد من دون امتداد تاريخي يمنحها حلاوة الوجود الحاضر. تظل أجمل المدن تلك التي تحتفظ بطابعها الخاص، التي تعكس في تصميمها تراثها وتاريخها وأصالتها وكفاح سكانها واحتيالهم على الظروف والبيئة في مراحل النشأة الأولى، تصاميم تبرز خط سيرها على الكوكب منذ بداية النشأة والتشكيل، منذ أن كانت تراباً أو صخراً وجبالاً أو سهولاً خضراء جرداء، ثم جاء بشر تحركهم قناعات معينه مدفوعين بإمكانياتهم في حينها لتأمين متطلبات الحياة، تلك الأيدي التي شقت الطرقات وبنت البيوت وصممت الأشكال العمرانية المختلفة. تلك الأيدي التي تشققت في كل مراحل التعمير والهدم وإعادة الإعمار، هي من تُعطي للمدن ذلك العبق الخاص جداً الذي تكاد تشمه لكن لا تستطيع تحديد ماهيته على وجه الدقة، فقط تعرف حال تطأ قدمك أرضا معينة أن هذه رائحة تلك البلد، هذه رائحة لندن، وتلك رائحة القاهرة، وآه الآن أشم عبير أبوظبي، وذلك عبق الشام، وتلك نكهة باريس.. وهكذا تكون للمدن، كل المدن رائحة لا يمكن التقاطها لوضعها في زجاجات العطور، لكن يمكن التقاطها في مجسات الشعور، فتشكل خريطة الذاكرة البشرية. هكذا تتميز المدن، وتصير لها هوية خاصة تُشد إليها الرحال، وهكذا يتميز الإنسان، ويصير فرداً له قصة وحكايات تُروى، إنسان له أبعاد، ولديه ما يحكيه للأجيال القادمة عبر ما عمّرت يداه بما هداه فكره.