لم يحرك مشاعري ويصل بي إلى قمة تعاطفي اللاعب الكوري الشمالي جي يون نام الذي سجل أول هدف لآسيا في مرمى السامبا، وإنما من فعل بي ذلك، كان اللاعب رقم تسعة، جونج تاي سي، والذي بكى كثيراً حتى كاد أن يبكيني، والسبب هو أن دموعه اختزلت الكثير من المعاني وربما السنين.. كانت تعني لي حالة أكثر من كونها دموع الفرح بالعرض الجميل والممتع والندية التي اتسم بها المنتخب الكوري الشمالي، فقد كان رهاننا قبل أن تبدأ المباراة على عدد الأهداف التي ستسجلها البرازيل، قبل أن نتسمر أمام الشاشات، وشيئاً فشيئاً نتعاطف مع المنافس الآسيوي، حتى تمنينا أن يفوز هو لا البرازيل.
هذا البكاء السخي من اللاعب جونج تاي، كان سبباً في أن أقضي ليلة كاملة مع كوريا الشمالية، أقرأ عنها وأعيش تفاصيل شعبها وعاداتها وتاريخها.. هذا اللاعب الذي بكى كان بوابة بالنسبة لي على هذا العالم، وهذه الدولة التي لعبت معنا في التصفيات المونديالية وكنا عندما نذكر المنافسين، نخرجها من الحسابات، ونقول إن اللعب معها يساوي ست نقاط مضمونة، وصعدت بدفاعاتها ولا شيء آخر إلى المونديال.. المهم أنها حققت الهدف، وأمس الأول سجلت هدفاً باسم آسيا، ونحن من آسيا.
كوريا الشمالية ذات التاريخ الممتد إلى أكثر من خمسة آلاف عام.. بلد دانكون، وبيونج يانج تلك المدينة المحاطة بالحدائق والتي تسمى “بأجمل الأراضى فى العالم”.. بلد تلة موران، ونهر دايدونج، وجبل بايكدو أو جبل الأجداد الذى يشمخ فى أعالى السماء، والبياض يكلله فى كل الفصول.
تلك الصور جذبني إليها هدف ولاعب بكى.. يا الله.. ماذا تفعل الكرة في الشعوب.. في منتخباتها وفينا.. عشقت كوريا بهذا الهدف وتلك الدموع، وهذا الشموخ حتى صافرة النهاية، وهذا الإصرار، الذي جلبوه معهم من هناك.
قضيت ليلي في بحيرة سامزى، وفي منتجعات «هويس البحر الغربى» وجداريات كوجوريو، وظللت أطارد هذا اللاعب لساعات.. أبحث عن كل شاردة وواردة عنه، ولما سألت نفسي: لماذا؟ لماذا هذا الأرق، ولماذا كوريا الشمالية بالذات.. هل لأنها كانت سبباً في خروجنا مبكراً من حسابات المونديال؟ أم أنني أريد أن أقنع نفسي أننا خرجنا أمام فريق كبير تأهل عنا وأحرج السامبا نيابة عنا وعن القارة بأسرها؟ أم لأننا نعيش أحلامنا مع غيرنا ونتوحد معهم؟
وفي الحقيقة أنه لا شيء من ذلك كان في نفسي.. فقد كان المشهد في المباراة مجرداً.. كان جونج تاي ومعه جي يون نام صاحب الهدف، ومعهما كل لاعبي الفريق الكوري الشمالي نموذجاً رائعاً للفريق كما يجب أن يكون.. نموذجاً للتحدي ولتشريف البلد.. لم يشعرونا للحظة أنهم خائفون أو مرتعبون ولم نقرأ أو نسمع عنهم ما نردده كثيرآً عن مجموعة الموت، والخيارات الصعبة، والنهاية المبكرة.. لقد قاموا حين ظنهم البعض قد سقطوا، وفازوا وقد ظنهم البعض خسروا.
كلمة أخيرة
أترون ماذا يفعل هدف، وماذا يفعل لاعب حقيقي.. أترون كيف تختزل ملامح الرجال خرائط الدول؟


mohamed.albade@admedia.ae