في حديث مع أحد المستشارين الأسريين في إحدى دوائر القضاء والتي تنحصر مهمتهم في محاولة التوفيق بين الرجل وامرأته منعا لوصولهما لمرحلة الطلاق، قال لي الرجل إنهم في المحاكم هذه الأيام قد أضافوا سببا جديدا وطريفا للطلاق في الإمارات وفي دول عربية أخرى وهو البلاك بيري، فعجبت كيف أن الإنسان يمكن ان يهدم حياته ويقلبها رأسا على عقب بسبب جهاز تافه لا تتعدى قيمته الألفي درهم يحمل من اللوثات والشائعات أكثر مما يحمل من الخير والمنفعة.
ثم عدت وفكرت في الأمر بشكل آخر، فالبلاك بيري وغيره من الأجهزة ما هي إلا آلات لا أكثر لا تهدم بيتا ولا تبني كوخا، وان البلاك بيري كالتلفزيون والسيارة والسكين والطائرة، يمكن ان تكون أدوات منفعة وسعادة ويمكن أن تتحول إلى قنابل موقوتة وأسلحة دمار فتاكة، وان الطائرة التي تقرب المسافات وتجعل السفر مريحا وسهلا وممتعا هي نفسها التي تحولت الى قنبلة قتل وأداة انتحار كما كان يفعل مقاتلو اليابان الكيميكازي الانتحاريون في الحرب العالمية، وهي نفسها التي فجرت برجي التجارة الأمريكيين في الحادي عشر من شهر سبتمبر 2001 لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل التاريخ من ذلك اليوم.
والهاتف الذي اخترع لسبب واضح محدد تحول إلى أداة لما لا حصر له من الاستعمالات والاستخدامات، فهو وسيلة تواصل وهو وسيلة إزعاج وهو وسيلة تعد على خصوصيات الناس وهو وسيلة تجسس على الأزواج والزوجات وهو وسيلة قتل لتفجير عبوات ناسفة عن بعد، وهو أداة لهو ومعاكسات وهو تلفزيون متحرك وصندوق بريد خاطف للبصر وهو ... وهو ...الخ
البلاك بيري حين اخترع كان الهدف منه بالتأكيد ليس بأن تضيف زوجة ما برنامجا حاسوبيا لتتابع عن طريقه تحركات زوجها، وليس لكي تتسلى به إحدى الزوجات مع غرباء لا تعرفهم بحجة انها وحيدة وزوجها مسافر وان هؤلاء مجرد أصدقاء ضمن “جروب” معين، لقد تم اختراع البلاك بيري ليكون مكتبا متحركا للموظفين التنفيذيين حتى يبقوا على اتصال دائم مع آخر المستجدات التي تطرأ في مكاتبهم ومجال عملهم من قبيل آخر التعليمات والقرارات، ولكي يتمكنوا من تفقد بريدهم باستمرار خاصة لهؤلاء الذين تقتضي طبيعة عملهم التنقل باستمرار خارج غرف المكاتب أو السفر المستمر !
لم تخترع كندا البلاك بيري كي يعبث به الاطفال، نحن ولقلة وعينا وإدراكنا لقيمة المخترعات والأجهزة، حوَّلنا البلاك بيري لمجرد طريقة لتبادل الاحاديث والشائعات بين المراهقين وغير المراهقين طيلة النهار وقسم كبير من الليل، لتربح شركات الاتصال ملايين الدراهم على حساب جيوب الأهل ولنغرق اكثر في ذهنية التكديس والاستهلاك اللاواعي لمقتنيات الحضارة الغربية.
البلاك بيري لا يتسبب في تطليق الرجل من زوجته ولا يتسبب في حوادث السير ولا يسبب العزلة والصمت بين افراد العائلة، ولا يسبب الادمان على الثرثرة الصامتة ولا يسبب هذه السلوكيات المضحكة والمبكية بين الكبار قبل الصغار في تعلقهم بهذا الاختراع، الناس هم الذين فعلوا ذلك بأنفسهم، هم من استخدم الجهاز بشكل خاطئ، هم من الغوا عقولهم وانحازوا للخطأ والتجاوز وعدم التفكير، وليس الجهاز.. في بيتي بلاك بيري لكنني لم استخدمه منذ اكثر من سنتين.. لأنني قررت أنني لست بحاجة إليه.. ذلك ببساطة كل ما في الأمر.


ayya-222@hotmail.com