انتهى زمن المذاكرة وانفض السامر وذهب كل إلى غايته يطلب الاسترخاء. في أيام الفصل الدراسي الثاني وبالأحرى في نزوعه الأخير، انشغل الآباء قبل الأبناء بهذا الهم وبعضهم بح صوته صراخاً وزعيقاً وأحياناً نحيباً وولولة جراء الاستغاثة بالمجهول طلباً لإعانتهم على أيام عصيبة ورهيبة ومريبة مشوبة بالقلق والخوف على الأبناء من الفشل، الخوف من الدوائر الحمر، من أن تسور أعناق الدرجات المتدنية.
الأبناء أثناء الدراسة يشعرون بالاختناق فيتضايقون ويتذمرون ويقطنون ويمقتون قلق الآباء ويعتبرون ما يتصرفه الوالدان محض افتراء ومبالغة لا داعي لها لأنهم لا يريدون أن يظلوا أسرى هذه الكتب التي أصبحت صفحاتها، أطباقاً طائرة، لا يستطيع الواحد منهم أن يستوعب منها شيئاً طالما “الحنة والزنة” وراء ظهورهم، وأحياناً يبلغ القلق الأبوي مبلغاً صعباً لا تتحمله الجبال.
اليوم وبعد انتهاء الامتحان وصار كل شيء كأنه ما كان ونسي الوالدان ما فعلاه وتصرفا به خلال تلك الفترة، اليوم تبدأ فترة جديدة تمتد إلى ثلاثة أشهر والصيف حار جداً، والرطوبة عالية وخانقة وفي بعض الإمارات يزداد الصيف حرارة بارتفاع أسلاك الكهرباء حرارة وحنقاً على هذا الصيف وعلى الذين لا يجيدون صيانتها أو تغييرها. في الصيف يبدأ قلق الآباء يزداد على الأبناء الكبار من شرور الطرق والمقاهي والأماكن المشبوهة ويقلقون على أبنائهم الصغار من الشجار الدائم والعراك الذي لا تنتهي دوراته وصولاته. يقلق الآباء لأنهم يريدون فترة استراحة لمحاربي هذه الفترة، يريدون أن يجدوا أنفسهم وأن ينتبهوا إلى أحوالهم الشخصية وعلاقاتهم الزوجية، يريدون أن يحققوا شيئاً من الذات ولكن الأبناء صغاراً وكباراً لا يريدون لهم ذلك، بل إنهم يدخلون مع الوالدين في خلافات جديدة غير تلك التي في العام الدراسي، في هذه الفترة تكون المشاكل على قضايا أخرى تمس حياة الأبناء وأخلاقهم وقيمهم، قضايا تتعلق بالسمعة والثقافة وقضايا تدخل في صلب السؤال الوجودي، الحياة والموت، فالآباء يخافون على أبنائهم من مرافقة أصدقاء السوء، يخافون عليهم من التسكع في “المولات”، يخافون عليهم من ركوب البحر أو السياقة بطيش وتهور، يخافون عليهم من كل شيء وحتى من هبة النسيم لأنهم آباء وأمهات وهؤلاء خرجوا من أحشائهم ومن دمائهم ومن أصلابهم. يخافون عليهم لأن كل ما في الخارج ملغم ومغشوش لا أمان له، يخافون عليهم لأن التلوث ليس في الجو فقط وإنما في الأفكار، وهذه الأخطر. يخافون عليهم لأنهم يحبونهم ويتمنون لهم السلامة والنجاة من الخطأ والخطيئة؛ فلذلك هم قلقون.


marafea@emi.ae