الاكتشافات الجيولوجية الأميركية أكدت وجود كميات هائلة من المعادن الثمينة، كالنحاس والليثيوم والحديد والذهب والألمنيوم والكوبالت تقدر قيمتها بتريليون دولار.. فإذا كانت أفغانستان قاحلة، شاحبة، مجدبة، وتشهد كل هذه الحروب، بل وشهدت على مدى القرون الفائتة صولات وجولات وغزوات لم تنقطع أبداً، فإن هذه الاكتشافات سوف تفتح شهية الطامعين، المحليين والخارجيين، وسوف يسيل اللعاب للحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس، وللذهب الذي يغري ويثري، ولا مجال للتغاضي عنه مهما كلف الأمر من تضحيات.
ما يرعبنا أن يقع هذا البلد ضحية لأطماع جيران وخلان، وغيرهم من بني الإنسان، وما يرعبنا أن “يخلد” الإرهاب في أفغانستان، كونه يتربع على كنز، وسوف يحول تجارته من المخدرات إلى المجوهرات، وهذا بالطبع شيء أسلس وأملس.
ما يرعبنا أن تظل أفغانستان تحت رحى الحروب، في فقرها وفي غناها، لأن في أفغانستان أيضاً عقولاً غلبت الموت على الحياة، والعدم على النجاة، والتدمير على التعمير، والتهور على التطور، حتى صار الإنسان في أفغانستان يمارس حياته اليومية كالصاعد إلى جبل، لا يدري متى تهوي به الصخور ليقع في السحيق، إما جريحاً أو قتيلاً.. ما يرعبنا ألا يستفيد أحد من هذه الاكتشافات، إن صحت، سوى الذين يعشقون الموت ويكرهون الحياة.
ونحن مقتنعون تماماً أنه لا توجد أرض في الدنيا إلا وفيها خيراتها التي تكفي الناس الذين يعيشون على ترابها.
هكذا هي الدورة الكونية، كما هي الدورة الدموية، متكاملة متصلة لا منفصلة، ولكن، المخيب للآمال هي النظرة أو الفكرة التي تدب على أرض ما.. الإنسان الذي لم يستطع التصالح مع نفسه ولم ينتصر على الهوى، فإنه يظل مغلوباً، مغبوناً، محتقناً طاعناً في الحقد والضغينة، وهذه المشاعر العدمية لا تصنع إنساناً سوياً، ولا تشيد وطناً حياً.. أفغانستان غنية بشعبها لو أراد هذا الشعب أن ينظف ذاكرته من شوائب وخرائب.. أفغانستان بلد يتمتع بجبال شاهقة من العظماء والفلاسفة، وفي مقدمتهم جمال الدين الأفغاني، لذلك لا تحتاج أفغانستان إلى فلسفات الموت كي تنبش عن مومياء أخلاقية لا علاقة لها بالواقع.. أفغانستان تزدهر بالخير وهذا الخير يحتاج إلى أيدٍ تثمنه وتقدره وتحترمه وتسخره لخير البلاد والعباد وبعيداً عن خبايا الكهوف والسقوف المنخفضة.. بعيداً عن أفكار لم تقدم لأفغانستان غير مزيد من أعداد الأمية والفقر والمرض.. في الوقت الذي تجاور فيه أفغانستان بلداناً تقدمت بآلاف الخطوات عنها، وحققت إنجازات صناعية واقتصادية وثقافية واجتماعية بفعل أبنائها وجهودهم المخلصة لاستقرار بلدهم، وأمانه وأمنه ورقيه وتطوره.. أفغانستان تحتاج إلى حب أبنائها، كما تحتاج إلى المعادن الثمينة.


marafea@emi.ae