1 مزيونة كانت طفلة صغيرة، تسكن في وهج الطفولة وتغني، تغني، تغني وتهتز مثل رهيف الغصون، فتأتي العصافير تلهو وتنقّرُ في كفها. وتأتي الحمائم تشرب من ثغرها ومزيونة تظل تغني، تغني. فجأة تسقط فوق أرض الرصيف قنبلة.. فتسقط كل الحمائم، وتسقط كل العصافير مقتولة.. ومزيونة التي سكنت بين وهج الطفولة ولون الدماء.. مسحت دمعتها وراحت تغني!! 2 علي طفل صغير، كان يحمل كل صباح حقيبته دفاتر حلمه ورأساً صغيراً تكوّر كزهرة الفل الخجولة. كان يجتاز ما بين صدر الحليب وسوط المعلم مسافة عمر من الأمنيات وطعم البراءة. عليٌّ تبعثر فوق الطريق إلى المدرسة، فإن السماء التي عودته سقوط المطر أسقطت قنبلة! عليٌّ يلملم أشلاءه ثم يبحث عن دمه والحقيبة...!! ستعود العصافير تلهو وتنقر كف مزيونة، وعلي سوف يلون رسم الحمائم في دفتره!! 3 سوف آتيكم.. نعم؟ تنتظروني؟ سوف آتيكم على ظهر جوادي الخشبي زارعاً سيفي في صدري وفي كفي جراب السيف فارغ. كيف أمشي؟! حين ألقيت حذائي الصلب كانت قدمي طفلة لينة الأظفار هشة كأن في رأسي طنين العالم المهزوم والخذلان والسوط الذي برَّح أجفاني وألقاني غريبة! 4 منذ أن صودر لوني وأنا أبحث عن لون الطباشير لأكتب. منذ أن صودر صوتي وأنا أستخدم الإيماء والرمز إشارة، وأنا أرسم كالطفل على النخل منارات الطريق. 5 كانت الدمعة في عينيه مرة.. جاءني يسأل عن معنى الدموع. فركعت وقلت بورك الطفل الذي يسال عن معنى الدموع. كنت قد صليت منذ زمن وتعمدت المحبة، غير أن الدمعة في عين الطفولة ضيعت كل أمانيَ فتعمدت الجنون! 6 حفّر.. يا نصلاً يتوغل مثلوم الأطراف.. حفّر في النبض الدافئ مقبرة الأفراح المذبوحة في وهج الأعراس. حفّر.. أفراح الإنسان النازف حقل جفاف، والموت قطاف، لا شيء يحدّ الأحزان، أو يمسح دمعة مجروح في هدب الإنسان، فالكف الحانية مرّة تغتال الفرحة مرّات.