مع بزوغ أول خيط من خيوط كل صباح يعبر أفق حياتنا، علينا أن نرفع أيدينا إلى السماء مرددين “الحمد لله رب العالمين”، صحيح أن الحر لم يعد يطاق، وأن صيف الإمارات ملتهب وحارق جدا، لكننا نتمتع بطاقة كهربائية متجددة ودائمة طيلة العام، عن نفسي لا أتذكر متى انقطعت الكهرباء عن منزلنا في دبي لعدة ساعات متواصلة، فهذا الانقطاع من الحوادث النادرة جدا، وباستثناء بعض الإهمال من قبل بعض الأهالي في تسديد فواتيرهم الشهرية لما اضطرت شركة كهرباء ومياه دبي لقطع التيار عن منازلهم، هذا في الوقت الذي تضج فيه دولة جارة قريبة منا من أمر انقطاع الكهرباء الدائم الذي تحول إلى قضية شائكة في الكويت رفعت من درجة غليان الشارع والحكومة والبرلمان عندهم وصارت التهم تتطاير على رؤوس الجميع وفي كل اتجاه!
لقد أقمت في بعض البلدان العربية التي كانت ذات يوم قبلة الدنيا في السياحة، ولا زالت، ومع ذلك لم انعم بيوم واحد استمرت فيه طاقة الكهرباء في التدفق، أنهم يعيشون حالة من التقشف والتقنين المزري في حقيقة الأمر، ما اضطر معه المواطن لتوفير مظلات حماية لاستمرار تدفق التيار الكهربائي في بيته عن طريق المولدات والاشتراكات الخارجية التي عادة ما تكون غير قانونية، ومع ذلك فهم يحمدون الله فوجود كهرباء في صيف ملتهب خير من لا شيئ ووجود ضوء خير من النفق المظلم، مساكين جدا هؤلاء الذين لا يجدون في أفقهم أي نوع من الانفراج .. ولا حتى ضوء شمعة!!
وبينما يحترق الناس في درجة حرارة قد تصل إلى الخمسين – وقد وصلت بالفعل لهذا المستوى في دولة الكويت كما كتبت الصحافة الصادرة هناك على وزير الكهرباء- فإن متابعة مباريات كأس العالم قد شكلت لهم مخرجا ومتنفسا وإنقاذا من ملل الصيف وحرارته اللاهبة، لذلك يتابعونها مشغوفين بأبطالها ونجومها اللامعين وهم يرقصون تحت المطر بصحبة المستديرة الساحرة، حتى أننا نكاد نشعر بقشعريرة الصقيع على أجساد الجماهير الملتحفة بالبطانيات في ملاعب مدن جنوب أفريقيا فلا ندري هل نحسدهم على هذا المناخ البارد أم نرثي لحالهم وهم يتحملون أعباءه، بينما يؤازرون منتخباتهم ويشعلون الفرح في قلوبهم بمتابعة إحدى أجمل المنافسات على الإطلاق.
وبالرغم من كل ما قيل عن الآلة الأكثر إزعاجا ونجاحا وانتشارا “الفوفوزيللا”، فهي لازالت فاكهة المونديال برغم مرارة إزعاجها، وبالرغم من البرد القارس، والنتائج المحبطة والمخيبة للآمال، وبرغم قسوة الصدمات التي تلقتها منتخبات عريقة كفرنسا وانجلترا وإيطاليا وألمانيا، إلا أن ذلك لم يمنع العالم من متابعة اللاعبين طيلة النهار وترقب مبارياتهم، فالعالم يعيش بهجة حقيقية عنوانها مونديال كأس العالم، الكل متواجد هناك، الكل يتابع منتخباته ويشجعها، كرنفال من الألوان والأشكال والتقليعات، والعرب وحدهم الغائبون كالعادة، ولولا الجزائر لسجلنا غيابا أشبه بالغيبوبة في حقيقة الأمر.
لدينا كل الإمكانات المادية، ونحن أكثر الشعوب بذخا وإنفاقا على الكرة واللاعبين ووصلنا كأس العالم قبل الكثير من المنتخبات التي تلعب اليوم، ومع ذلك فإن غانا وكوريا الشمالية وأستراليا وأميركا موجودة، وليس من أمة العرب سوى فريق واحد، الأمر الذي يجعلنا نردد “الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه” !

ayya-222@hotmail.com