تابعت ذات مرة جدلا أثارته إحدى الصحف الأوروبية حول مسؤول رفيع هناك نشرت صورته وهو يقود سيارته دون أن يضع حزام الأمان. وانتهت الضجة بإعلان المسؤول استقالته من منصبه، لأن الواقعة صحيحة ولم يتمكن من تبرير فعلته، فلم يجد ُبداًّ من الاعتذار والاستقالة. أما لماذا تثار مثل هذه الضجة في تلك المجتمعات؟، فلأنها بكل بساطة تنظر إلى كل مسؤول باعتباره قدوة، وبالتالي ترى فيه حرصا زائدا على الالتزام بالقوانين والابتعاد عن كل ما يثير شبهة ارتكاب أي مخالفة بحق تلك القوانين التي وضعت للالتزام بها من الجميع رعاة ورعية. ولعل الشواهد في هذا الاتجاه كثيرة ، وبالأخص مما تورده لنا وسائل الإعلام الغربية، وكذلك من بلدان كاليابان وكوريا الجنوبية.
أستعدت مشاهد من بعض تلك الوقائع بالأمس مع انتشار صورة عبر أجهزة “البلاك بيري” ومواقع الإنترنت لرسالة من مسؤول يخاطب فيها هيئة الطرق والمواصلات بدبي، طالبا إلغاء مخالفات تراكمت على مسؤول أعلى منه.
كان تناقل الصورة بتلك السرعة لافتا للانتباه، وكأن الذين يتبادلون إرسالها يستغربون هذه السهولة التي يمكن بها إلغاء المخالفات، وبكتاب رسمي من واحدة من أهم الجهات الاتحادية في الدولة، بينما الذين ألهبت جيوبهم يتجمعون عند موظفي الاستقبال في الهيئة للتحري عن مخالفاتهم والتأكد منها أو لطلب التدقيق فيها، ومنهم من يطلب تقسيط ما تراكم عليه حتى يتمكن من تجديد مركبته، وحتى لا يدخل في متاهة مخالفات إضافية.
وقد خفي على الذين تناقلوا الرسالة وجود فئات معفاة من الغرامات بحسب قرار المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وهي أعضاء المجلس الوطني الاتحادي وأعضاء السلطة القضائية وأعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في الدولة شرط المعاملة بالمثل. ولكن القرار لم يكن عند إصداره يعني منح تفويض على بياض لأفراد هذه الفئات لارتكاب المخالفات، وإنما روح القرار حملت نوعا من التكريم لهم وتوسمت فيهم حرصا رفيعا على عدم إتيان أي مخالفة للقانون، باعتبارهم من رجالاته ومشرعيه. وكذلك بالنسبة لرجال السلك الدبلوماسي بوصفهم ممثلين لبلدانهم، وأي شخص في مكانهم يفترض فيه أنه يعمل ألف ألف حساب لصورة بلاده، كما يفترض في أي مواطن صالح عندما يكون في الخارج على وجه التحديد.
إن هذا التداول متناهي السرعة للنسخة الضوئية من الرسالة التي أشرت إليها يطرح أيضا حاجة تفرض نفسها اليوم مع دخول إعلام الإنترنت على خط يسابق وسائل الإعلام التقليدية، وهي ضرورة تحرك الجهات التي تكون معنية بهذه الواقعة أو تلك لتوضيح أي ملابسات تتعلق بها، لأن التأخير في مثل هذه الأمور يولد استنتاجات لدى جمهور المتلقين لها، يحمل معه قدرا من المصداقية أو الاستعداد لتصديق ما جاء فيها. خاصة أنها تتعلق بصورة جهات وأجهزة تضع اللوائح والقوانين، وهي موضع تأكيد من قبل الجميع الذين يفترض أن يتساووا أمامها.
ربما لم تكن هذه الواقعة الأولى من نوعها، كما أنها لن تكون الأخيرة، ولكنها تدفعنا لتجديد الدعوة لمختلف الجهات بأن تعيد النظر في طرق تعاملها مع الواقع الجديد الذي فرضه دخول الإنترنت ووسائل ووسائط الاتصال الحديثة إلى “إعلام اليوم” ولحياتنا.

ali.alamodi@admedia.ae