قصيدة كرة القدم من يكتبها هذا العام؟ والناس من كل بقاع الأرض الذين يتحلقون حول الشاشات بالساعات ماذا ينتظرون من كأس العالم سوى تلك اللحظة التي يتحول فيها مشهد الركض وراء المستديرة إلى إيقاع متناغم ورقصة مبدعة وقفزة في الهواء تشبه اكتمال حالة الشعر في القصيدة. الفرق والمنتخبات العريقة التي أمتعتنا في الماضي بشعراء الكرة كانت تحرص على جعل هذه اللعبة متعة وفرجة تنافس المسرح والشعر، وكان اللاعبون شعراء حقيقيين في المستطيل الأخضر وممثلين وسحرة يصنعون المعجزات وكانوا موسيقيين أيضا. وكانت البرازيل وقلة قليلة من المنتخبات مهد هذا النوع من الفرجة وهي التي جعلت كرة القدم تصل الى مستويات الشهرة العالمية والجنون ومن ورائها بقية المنتخبات التي تمرض وتهرم في سنوات ثم تعود الى الحياة في سنوات لاحقة. لكن المؤسف في تطور كرة القدم هو تراجع الشعرية والإبداع وظهور مدارس الخوف والانغلاق على الذات والاكتفاء بهدف يتيم وبالنتيجة على حساب كل شيء. وهي حالة لم نعهدها من قبل عندما كان الفريق الفائز يستمر في الهجوم لتتحول المباراة الى حفلة أهداف ورقص، وأيضا كانت هذه احدى الحسنات العظمى التي رفعت مستوى اللعبة الى منزلة الإمتاع في هذا الفن الكروي الجميل. هذا العام يشعر الناس بالتغيرات الكبيرة في مستوى التفكير الكروي الذي تراجع واختلف وانقلبت موازين الجمال فيه. وبدلا من قيم الاندفاع والجنون والمغامرة صرنا نرى قيم الحذر المفرط والمبالغ فيه، وقد يقرر احد المدربين قتل المباراة منذ بدايتها وبالتالي قتل كل فرحة ممكنة لان ما يهمه فقط هو النتيجة. ولا نعرف كيف يتلذذ جمهور بلد ما بالفوز في مباراة ميتة فنيا؟ يمكن أن نشبه المنتخبات بالشعراء، هناك من يقدم القصيدة الكروية التقليدية بشكل محافظ ولا نجد في تمريراته أي نوع من التجديد أو التطوير، وهناك من يحاول تطوير اللعبة بابتكار أشكال جديدة في التصويب على المرمى وفي التحرك بشكل دائري يشبه القصيدة المدورة. لكن المنتخبات العظيمة هي التي تقدم الشعر في كافة تفاصيل ومراحل اللعب. حيث يبدأ النص من إحساس حارس المرمى ومن سلوكه وشعوره الداخلي بوظيفته كمهاجم حيث تشعر مع استمرار التمريرات والتصويبات بوجود بنية في الحركة وبوحدة موضوعية في التفكير. ومع هذه الفرق نتذوق طعم المتعة الحقيقية ونقرأ قصائد الكرة ونصفق لها. هناك أيضا في تاريخ كرة القدم لاعبون كبار فرضوا نصوصهم على ذائقة اللعب وأثروا في فنيات أجيال كثيرة بعدهم ولا تزال تأثيراتهم مستمرة حتى اليوم مثلما هي النصوص العظيمة التي تخلد مع الزمن. akhozam@yahoo.com