يأتون من روح القيم النبيلة، تملأ روحهم المحبة والشوق العالي لتحقيق سلام الإنسان، هكذا هم دائماً الأشخاص الذين ولد الخير في نفوسهم، وتربع بقيمه العالية في تفاصيل حياتهم ليكون سلوكاً طبيعياً يلازمهم دون انقطاع؛ سلوك لا يستنكر في ذاته إلا ما هو عكس حقيقته. جاسم البلوشي، الذي ودعته الإمارات في القريب من الأيام الماضية إثر عملية إنقاذ ركاب الطائرة في دبي وإطفاء النار المشتعلة فيها، هو أحد هؤلاء الأشخاص الجميلين الذين بدونهم تجف الحياة، تنحسر ينابيعها الباردة في قيظ المشاعر وتحجر السلوك، فهذا الشاب الذي غادر الحياة وهو في أرقى معاني الحب والتضحية، تزينت خصال عالية كثيرة في نفسه، حيث ارتبط مع أسرته بعلاقة راقية، فيها من التضحية والإباء، وفيها من التقدير والاحترام الكثير؛ الشاب الذي ارتبطت بديهياته مع المبادرة في تقديم العون إلى الآخر دون استثناء، حتى بات يلقبه أصدقاؤه بالخير «جاسم الخير»، فبخلاف عمله كرجل إطفاء، يرتبط أيضاً بعدد من الجهات التطوعية، ويحمل حقيبة الإطفائي، حقيبة السلامة في حله وترحاله، لا يتردد مطلقاً في تلبية طلب العون، حاضراً في النهار والليل، صادقاً في فزعته، ينغمس في فعل الإنقاذ والمساعدة إلى أقصى الخطر الذي ربما يحدق به، هكذا كان هذا البطل الإماراتي جاسم في عمله، حتى قدم حياته على بساط الشهامة والنبل والصدق والحب الكبير. غادر جاسم الحياة جسداً وبقي فيها اسماً لن يمحى من سيرة أبطال الإمارات كلما ذكر رجال التضحيات في سيرة الوطن. هكذا وعلى هذا النحو القيمي والأخلاقي نطمح أن يسير جل شبابنا، فهذا السلوك الذي تمثل في الشاب جاسم البلوشي هو من أرقى أنواع السلوك وأهمها والأكثر حاجة للشعوب الحديثة، وسط المتغير السلوكي للإنسان الذي نأى بعيداً عن الخير، عن القيم النبيلة، منسحباً إلى مصالحه الشخصية، مبحراً في صراع بشري نحو الحاجات التي لا تنتهي ولا تُحقق سوى الانفساخ التام من الآدمية. ففي هذا الوقت، هذا الزمن، نحتاج جاسم كثيراً، نحتاج المئات، بل الملايين من جاسم، الذين عبرهم تتحقق صورة مختلفة للحياة، عبرهم يكون وجه الصباح جميلاً والليل سالماً ومتسالماً.. بهم يكون الحب حاضراً، وبهم يكون انسجام الإنسانية عالياً ومتوجاً بخيط النور من أقصى الكرة الأرضية إلى أقصاها. وداعاً جاسم، وشكراً على ما قدمته لنا من نموذج ملهم يستحق كل الحب والتقدير والامتنان.